IMLebanon

مسؤولون يتنصلون من المسؤولية وسط الإنهيار الشامل

 

 

أما وقد أصبحنا في صلب جهنم. أما وقد بتنا نكتوي في لهيبها ونتهيأ لما هو أعظم.

 

ها هي الأطراف كافة الممسكة بما تبقى من رقاب الناس في هذا البلد المنكوب، تحاول التخفي والتلطي والإختباء بأي طيف يستر عوراتها التي انكشفت وانفضحت وبات من الصعب تمريرها وتخبئتها بسهولة عن جماهير لم يعد لها إلاّ العراء والتشرّد بعيدا عن بيوتها وأحبائها وماضيها وحاضرها، وما زالت آثار الإنفجار النووي، بدويّه الهائل ونتائجه القاتلة، والتهامه لأجزاء واسعة من «سيدة العواصم» بيروت، تعصف بين الضحايا والمتضررين والمشردين، ويستمر التحقيق الجنائي في كشف أسرار الجريمة النكراء، متجاوزا الأيام الخمسة الموعودة، ليعود ويتجاوز أشهرا خمسة بعدها، لتحل بعدها جملة من الإنفجارات العاتية بين الناس، من تضرر منهم ومن تأثر وتعثر، وليتضح أنّ التحقيقات الجارية تتناول قشور الحدث الرهيب، ولنكتفي ببعض الإتهامات والإدعاءات الإنتقائية البعيدة عن صلب الجريمة النكراء، التي وصل دويّها «النووي» إلى أرجاء الدنيا بأسرها، ليصنف الحدث الثالث بعد انفجاري هيروشيما ونكازاكي، وإذا بالسلطات المسؤولة والمتحكمة بكل الخيوط والخطوط، تستهجن وتستنكر وتطلق شعارات الإستعجاب وبعضاً من إشارات الغضب، وتلقي بعد مرور ما يزيد على الخمسة أشهر من حصول المأساة، إتهامات في وجه المحقق التمييزي القاضي فادي صوان منتزعة عنه صفة التميز، وموجهة اللوم الشديد إلى من واكبوه مؤازرين ومؤيدين وبعضهم شاء أن يقتلع عن أكتافه أثقال توجيه التهم إليه فحملها إلى سواه، وكان لا بد للجميع أن يوجد جوابا على تساؤلات الناس في كل مكان عن تلك الباخرة اللعينة التي انطلقت متسللة بين عدد من البلدان والموانيء، حاملة ما تيسر من أطنان النيترات شديدة الخطورة لتلقي بأثقالها وأحمالها ومتفجراتها في ذلك المرفأ المتروك لمصيره بتجاهل إجرامي غريب جملة من «المسؤولين» الكبار والصغار،» ولينعم» البيروتيون بوجودها في ربوعهم سنوات عديدة حفلت بغرائب التصرفات وعجائب المسؤوليات، ولتنتهي وتنهي معها بيروت بأماكنها الزاخرة بالحياة والحركة والإشعاع الحضاري، وليذوب المرفأ بمنشآته ومعالمه وأكتوائه بنار الإنفجار الذي قضى على أهم مرفأ في الشرق الأوسط، و«بالصدفة العجيبة» تم تحويل هذا الدور إلى مرفأ حيفا في فلسطين المحتلة، تماما كما أدت تطورات الأحداث المالية والإقتصادية والحضارية في لبنان إلى تهريب مصارفه ومستشفياته وسياحته وكل معالم الحياة فيه باتجاه الكيان الصهيوني، حيث زرعوا له وحصدوا لمصلحته آثار سلسلة جرائم ارتكبوها بحق لبنان ودوره وأهله وحضارته التي نقلها أبناؤه ومغتربوه على مدى العمر اللبناني إلى أنحاء العالم بأسره.

 

وبعد… ما زال مسؤولونا غارقين في مواقعهم الحزبية والطائفية والمناطقية والأحوال السيئة التي جرّوا البلاد إليها لا تهمّهم ولا تعنيهم إلاّ استمرارية زعاماتهم وتياراتهم ونفوذهم وضمان نجاحهم في أية انتخابات مقبلة، ومن حولهم ما تيسر من أزلام وأتباع ومنتفعين، فذلك هو الأهم، وبعضهم استمرار السرقة والنهب في مال الناس والمال العام وذلك أيضا هو أهم المهم. بعض الزعماء سحبوا أنفسهم من أية مسؤولية وتركوا الأحوال لمسراها ومجراها، ومهما حلّ بالبلاد فهم رافعون سلفاً المسؤولية عن أحزابهم وأشخاصهم، وبعضهم يتصرف بالطريقة نفسها للأسباب نفسها وللتهرب من أية مسؤوليات أميركية تؤدي إلى محاسبتهم وشلّ حركتهم، وآخر هؤلاء المسؤولين الذين أطلق عليهم البعض تسمية وطاويط الليل، فأكثر ما أوجدوه في البلاد منذ بدأوا يؤثرون فيها بمجريات الحكم والتحكم، بما يتمثل خاصة في علاقتهم بمواقع ووزارات محددة مع كل ما ارتبط بها من استملاكات واستهلاكات، وهؤلاء، الذين تم تصنيفهم في الخارج والداخل بما يتماهى مع سمعة عالمية استدعت تدخلات دولية محبة للبنان وسارعت إلى مطالبة المسؤولين اللبنانيين بمباشرة أعمال إصلاحية محددة اعتبرت أنها تأتي في مقدمة الأوضاع المسيئة إلى الحالة الإقتصادية في البلاد نتيجة لكونها في مقدمة الأوضاع الفاسدة التي ظهرت إلى الواقع المعلن عن طريق مسؤولين إداريين رسميين عمدوا إلى فضح المخالفات والمؤامرات الإستغلالية التي راكمت مع الوقت معظم مقاطع الدين العام وتفرعاتها الإستغلالية، ومع ذلك هذه الجهات تتصرف على أساس أنها رمز التصرف السليم والخلق العملاني القويم، ملقية الإتهامات الفاقعة على سواها من الأخصام والمنافسين، لبنان ينهار، وليس ما يدل على وعي مسؤول لشرّ ما فعل، وقد نشأ وتكوّن وترعرع في أوساط التحوّل والهبوط إلى جهنم.

 

وها هي الكورونا تهاجمنا بأقسى طاقاتها على الهجوم، وها هي أعداد المصابين بها تتضاعف إلى حدود مفزعة، وها هي المستشفيات تعجز عن استيعابهم وتضمهم إلى جمهور المشردين الذين أطلقهم إلى الوجود المخيف، إنفجار المرفأ ملحقا بتفجير بيروت، ولعل من أهم أسباب تفلّت الوضع الصحي قناعة البعض بأنه أشرف لهم ولعائلاتهم الموت بالكورونا من الموت جوعاً وتشرداً ومعاناة، جهنم تزداد لهيباً ولبنان يزداد انحداراً وتدهوراً، والمسؤولون يتابعون صراعهم على السلطة وعلى الوزارات وعلى النفوذ وعلى الأموال المسروقة والمنهوبة.