السياسيون على سلاحهم التصعيدي كلامياً
والناس يسكتون على وجعهم الحياتي
إنَّ زمن القوالب الحكومية الجاهزة قد انتهى، وسقط معه كل ما من شأنه أن لا يقيم وزناً للمسار الدستوري والبرلماني والديمقراطي المفترض أن يكون هو الناظم للحياة السياسية في لبنان.
***
المادة 53 من الدستور التي تنص على أن رئيس الجمهورية يُصدِر بالإتفاق مع رئيس مجلس الوزراء مراسيم تشكيل الحكومة وقبول استقالة الوزراء وإقالتهم… وبالتالي، ليس الأمر محصوراً بالتوقيع على المرسوم فقط، إذ إنَّ عبارة بالإتفاق تعني التفاهم بين الرئيسين، أي لرئيس الجمهورية الحق الدستوري بقول لا أو نعم، وتوقيع رئيس الجمهورية ليس شكلياً.
***
في المقابل، هل يمكن القول إنَّه طفح الكيل مع الرئيس المكلَّف سعد الحريري؟
الداعي إلى هذا السؤال مقدمة نارية لأخبار تلفزيون المستقبل، من المؤكد أنها تعكس المزاج السياسي في بيت الوسط. جاء في المقدمة:
عندما يقول الرئيس سعد الحريري إنَّ مصلحة لبنان يجب أن تتقدّم على المصالح الحزبية والطائفية، يأتيه الردُّ من البعض، بكلامٍ دون مستوى الأخلاق والسياسة.
وعندما يؤكِّد الرئيس سعد الحريري أنَّ علاقته بفخامة رئيس الجمهورية غيرُ مرشحة للطعن والكسر، وهي علاقة تسمو فوق الشحن القائم في الإعلام ومواقع التواصل الإجتماعي، تتحرك عقاربُ السياسة لتخريب العلاقة وإعادة عقارب الساعة إلى الوراء.
***
حين تُستَخدم مصطلحات دون مستوى الأخلاق وتخريب العلاقات وإعادة عقارب الساعة إلى الوراء، فهذا يعني أنَّ الأمور تكون قد وصلت في بيت الوسط إلى مرحلة من المرارة السياسية بشكلٍ لم يعد من الجائز السكوت عنها. ولهذا فإنَّ المقدمة تضيف:
الأمر ببساطة يتطلب تضحيات متبادلة، تخرق جدارَ الشروط المتبادلة. وحصةُ الرئيس الحريري في سجل التضحية باتت معروفة… وعلى الآخرين أن يبادروا.
***
الرئيس نبيه بري لم يكن أقل دهشة مما يجري، فلم يتوانَ عن اعتبار أنَّ لبنان في العناية الفائقة، هذا التوصيف جعله يتوقع أن يتوجه رئيس الجمهورية برسالة إلى مجلس النواب في موضوع تأليف الحكومة.
***
لكن أقوى المواقف وأكثرها جرأة جاء من الوزير مروان حماده الذي قدّم توصيفاً متقدماً جداً بقوله: إن أرادوه عهد تصريف أعمال فليستمروا بتعطيل تشكيل الحكومة.
لاقاه في هذا الموقف الحزب التقدمي الإشتراكي الذي وصف أداء السلطة بأنه انتحار سياسي، معتبراً أنَّهم يعطّلون البلد من أجل مطالب غير محقة لبعض حلفائهم، ومن أجل حصة منتفخة لهم على حساب قوى أخرى أعطاها الناس ثقتهم في الإنتخابات، ولذلك فإنَّ الحزب التقدمي الإشتراكي بات أكثر تمسّكاً بحقه التمثيلي، أي أنه يريد وزراء ثلاثة في الحكومة الثلاثينية.
***
إلى أين من هنا؟
الأجواء مكفهرّة ولكن ليس على الجميع:
السياسيون لا يشعرون بالأزمة فتأتي مواقفهم لتأجيجها.
الناس يشعرون بالأزمة، معيشياً واقتصادياً وحياتياً وتعليمياً، ولكن أين صوتهم؟
وأين صراخهم؟
وهكذا، بين الصراخ السياسي وبين خفوت صوت الناس، تبقى الأزمة مستعرة.