IMLebanon

السياسة والإقتصاد يتجاذبان ملف «تشريع الضرورة»

السياسة والإقتصاد يتجاذبان ملف «تشريع الضرورة»

مصادر نيابية لـ«اللواء»: إقرار المشاريع المالية بمثابة حياة أو موت للبنان

نجح حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، ومن خلفه القطاع المصرفي في تحريك ملف «تشريع الضرورة» الذي سعى إليه رئيس المجلس النيابي نبيه برّي منذ شهور طويلة، لكن من دون أن ينجح.

ولأن سلامة رجل ثقة، ولأن كلامه يُسمع ويُعتد به أدرك المسؤولون أخيراً خطورة تماديهم في عملية تعطيل «التشريع»، لا سيما المتعلق منه بمشاريع القوانين ذات الصلة بقضايا تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، وهي مشاريع مطلوبة من المجتمع الدولي، ولا سيما من الولايات المتحدة الأميركية.

من هنا قرّر العديد من الكتل النيابية الذهاب إلى «تشريع الضرورة» أقلّه لتلافي أزمة مالية – مصرفية مرتقبة في حال عجز المجلس النيابي عن إقرار مشاريع القوانين المالية المطلوبة من مجموعة العمل المالي «غافي» عموماً ومن الولايات المتحدة الأميركية خصوصاً، وذلك قبل نهاية العام 2015 الحالي.

في الثامن والعشرين من شهر تشرين الأوّل الماضي توقف حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في اللقاء الذي جمعه مع رئيس وأعضاء مجلس إدارة جمعية مصارف لبنان أمام نتائج الاجتماعات الأخيرة لمجموعة العمل المالي للغافي (GAFI) وهي المنظمة العالمية المعنية بمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، كاشفاً عن أنه أشير خلال هذه الاجتماعات إلى الدول القليلة المتبقية في العالم غير المنضمة إلى اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب للعام 1999 ولبنان من ضمنها.

وتابع سلامة: إن مصرف لبنان ومن خلال هيئة التحقيق الخاصة بذل جهوداً مضنية مع «غافي» من أجل عدم إدراج اسمه على لائحة الدول غير المتعاونة نظراً لما لحصول هذا الأمر من تداعيات خطيرة على القطاع المالي والمصرفي، وتالياً طلب مصرف لبنان وقتاً إضافياً لإقرار مشروع قانون انضمام لبنان إلى الاتفاقية المذكورة، بالإضافة إلى مشاريع القوانين الأخرى العائدة لتعديل القانون 318 ولتبادل المعلومات الضريبية ولنقل الأموال عبر الحدود، وافقت «غافي» ومنحت لبنان مهلة أقصاها 30/12/2015 لإقرار ما تقدّم.

وخلال لقاء سلامة والمصارف تمّ درس نتائج وتداعيات وضع لبنان على لائحة الدول غير المتعاونة، فكانت الآراء واحدة ومتفقة حول خطورة حصول هذا الأمر على الاستقرار المالي وعلى القطاع المصرفي، وتالياً على الوضع النقدي، وهي مخاطر لم تظهر منذ سنوات عديدة بفعل سياسات مصرف لبنان المالية والنقدية وبفعل التزام المصارف أعلى معايير العمل المصرفي.

وبنتيجة النقاش تمّ التوافق بين مصرف لبنان وجمعية المصارف على ضرورة مراجعة المسؤولين لإقرار مشاريع القوانين المذكورة أعلاه قبل نهاية السنة الحالية، وهذا ما تمّ تنفذه، إذ التقى سلامة الرئيسين برّي وسلام وشرح لهما مخاطر الوضع، كما التقت جمعية المصارف الرئيس سلام للغاية ذاتها.

والتقط الرئيس برّي الفرصة وبادر إلى توجيه الدعوة لعقد جلستين تشريعيتين الخميس والجمعة المقبلين تحت عنوان «تشريع الضرورة المالي».

مصادر نيابية رفيعة المستوى أكدت لـ«اللواء» «ان مسألة إقرار مشاريع القوانين المالية باتت بمثابة حياة أو موت للبنان نظراً لتداعياتها الخطيرة على الاستقرار المالي والنقدي، وتالياً ان انعقاد جلسة تشريع الضرورة يومي الخميس والجمعة المقبلين حاصلة حتماً وتحت أي ظرف كان».

في غضون ذلك، تكشف بعض الجهات السياسية لـ«اللواء» عن وجود محاذير ومخاطر على الدستور اللبناني وعلى السيادة اللبنانية، وتحديداً من خلال إقرار التعديلات المقترحة على القانون 318، وهو القانون المنظم لآليات مكافحة عمليات تبييض الأموال، فهل هذا الأمر صحيح؟

الأمين العام لجمعية مصارف لبنان مكرم صادر سبق له ان تناول وأوضح هذه المسألة، إذ قال: ان التعديلات المقترحة على القانون 318 تثير أربعة أنواع من الأسئلة والتساؤلات المشروعة والتي يمكن تلخيصها ومناقشتها كالآتي: يكمن التساؤل الأوّل في ما يمكن ان ينطوي عليه التزام بعض هذه القوانين أو المعايير الدولية من تعارض مع سيادة القانون اللبناني، هذا صحيح في المطلق، ولكن في الواقع الدولي الراهن ينسحب ذلك على كل دول العالم التي انضمت إلى اتفاقيات مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب الصادر عن الأمم المتحدة أو التي تلتزم بالمعايير ذات الصلة الصادرة عن مجموعة العمل المالي «غافي» ومنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية OCDE ولجنة بازل وغيرها. فمفهوم السيادة المطلقة بات من الماضي، وللتذكير، فقد اضطر مجلس العموم البريطاني وكذلك البرلمان الأوروبي للموافقة على قانون الامتثال الضريبي الأميركي المعروف بقانون «فاتكا».

ونذكر أخيراً ان الجرائم المالية المنظمة، بما فيها الإرهاب، أصبحت عابرة للحدود، وغدت مكافحتها بالتالي شأناً عالمياً (Global)، أي بتعاون دولي وثيق ومتزايد. ويعود التساؤل الثاني الى اثر هذه التشريعات على تدفق الأموال اللبنانية إلى البلد. ونقولها بصراحة ان وجود إطار قانوني مؤات ليس فقط لا يعرقل مجيء الأموال إلى لبنان بل يشجعه، وغياب مثل هذه التشريعات يزيد حراجة قبولها لدى المصارف لئلا نقول سيحول دون قبولها، ويشير التساؤل الثالث إلى التوسع الكبير في صلاحيات ونطاق عمل هيئة التحقيق الخاصة. هذا التوسع وتعميق صلاحياتها يتوافقان مع المعايير الدولية، من جهة، ويجعلان الهيئة أكثر فعالية بما لا يقاس مقارنة مع الوضع الحالي. ويبقى نطاق عمل الهيئة هو الشبهات وليس القرائن، اما قرار التجميد المؤقت للأموال المشبوهة أو قرار رفع السرية المصرفية عن أصحابها فيعودان إلى كل من النائب العام التمييزي وإلى الهيئة المصرفية العليا، وكذلك اصولاً إلى الجهة الداخلية أو الخارجية المعنية.

ويتابع صادر: اما التساؤل الرابع والأخير، فيدور عادة حول الضغوط الأميركية لإقرار هذه التشريعات، والحقيقة ان لبنان بلد صغير وذو اقتصاد شديد الانفتاح على الخارج. وتعاملنا مع الخارج يجري بشكل أساسي بالدولار الأميركي، ومقاصة عملياتنا مع الخارج بالدولار تتم من خلال شبكة المصارف الأميركية المراسلة. وللتذكير، فإن تسوية المدفوعات المرتبطة بتجارة السلع والخدمات وبالاستثمارات الأجنبية وبتحويلات اللبنانيين هي محررة بالدولار الأميركي بنسبة تقارب الـ90 في المئة. وتنعكس دولرة الاقتصاد اللبناني على بنية توظيفات والتزامات القطاع المصرفي حيث تشكّل نسبة 64 في المئة من الميزانيات المجمعة للمصارف ونسبة 73 في المئة من التسليفات للقطاع الخاص المقيم ونسبة 76 في المئة من قيمة المقاصة الداخلية للشيكات التي وصلت قيمتها عام 2014 إلى حوالى 75 مليار دولار.

الجدير ذكره أخيراً ان مشاريع القوانين المالية المطلوب اقرارها قبل نهاية السنة موجودة في المجلس النيابي منذ نحو 4 سنوات؟