زيارة الرئيس السابق ميشال سليمان لطرابلس حملت مواقف مناقضة لمعظم ما قام به اثناء عهده.
كان يمكن أن تكون هذه الزيارة في محلها لو حدثت قبل خمس او ست سنوات، يومَ انتُخب سليمان رئيساً للجمهورية بإجماع لبناني وتوافق اقليمي ـ دولي، وكان في وسعه صرف هذا الزخم في طرابلس او غيرها من الملفات الساخنة لو أراد.
ليس مفهوماً إصرار الرئيس السابق على استعداء حزب الله. لقد أصبح الامر نافراً الى حدٍّ ما، لأنّ سليمان لم يكن تقليدياً ضدّ الحزب ويستكمل اليوم الادلاء بآرائه السياسية، بل هو جزء من “الماضي” الذي ينتقده، فقد بقي طوال عهده يترأس جلسات حكومات فيها وزراء من حزب الله في ما يقوم به، فلماذا لم يعمل على “مشروع بناء الدولة”، طوال تلك الفترة ومَن منعه من ذلك؟
فليخرج سليمان الآن وليعلن صراحة عن القوى التي عطلت مشروعه “الاصلاحي” اذا وُجد. مَن رفض السير بمشروع قانون “النسبية” الذي طرحه في عهده على سبيل المثال؟ ولماذا لم يكن يواجه ويصرّح “كما الآن”، كلّ مَن كان يقف عائقاً في وجه كلّ مشروع اصلاحي داخلي أراد تمريره؟
الجانب المتعلق بالمقاومة شأن آخر مختلف تماماً. ليس في وسع الرئيس السابق التذرّع بوجود المقاومة ليبرر فشل عهده.
أبرز نموذج على التعايش بين الدولة والمقاومة والتعاون بينهما كانت تجربة الرئيس رفيق الحريري في بدايات عهده، فقد خاض الرجل اكبر ورشة اعمار للبنان، في موازاة قيام حزب الله بواجبه في تحرير لبنان وحمايته، ولم يقع التناقض الّا عندما اختار ورثة الحريري سلوك مسلك آخر في التعاطي مع المقاومة. ثم إنّ سليمان نفسه ما كان ليرى عتبة قصر بعبدا لولا حزب الله، وأحداث 7 أيار التي ينتقدها اليوم.
وكما أنّ مجيئه الى الرئاسة كان على حصان اقليمي ـ دولي، كذلك الملفات التي يطرحها اليوم تحت عنوان “إعلان بعبدا” هي ملفات اكبر من سليمان ومن غالبية القوى المحلية التي تعمل على الاستثمار السياسي في شعارات قديمة لا تواكب السرعة الهائلة في الاحداث منذ اربع سنوات، واصبحت مادة تكرار داخلي لا تُقدِّم أو تؤخر في واقع الامور.
كثيرون في حزب الله يبتسمون عندما يأتي احدهم على ذكر سليمان. الجملة الجاهزة دائماً تتلخّص في كلمتين: “المشكلة مع الرئيس السابق هي في تحميله الحزب وحده فشل مساعي وطموحات التمديد، فيما الرئيس يتناسى كل العوامل التي جعلت “التمديد” لرئيس الجمهورية مستحيلاً، وهي عوامل موضوعية وذاتية في آن معاً.
يقول عن أحداث 7 ايار إنها “مشبوهة”، والارجح أنّ شبهتها الوحيدة أنها أفضت الى انتخاب موظف من الدرجة الاولى بلا تعديلات دستورية وبخرق واضح للدستور الذي كان يحتاج الى تعديلات حقيقية لتأمين وصول قائد الجيش. ثمّ وبكل استسهال يقف ويصرّح ضدّ “التمديد” لمجلس النواب مع العلم أنّ “حلفاءه” الجدد استقتلوا لكي يجري “التمديد” للمجلس لأنّ وضعهم الانتخابي ليس على ما يرام.
يقول إنه يجب مكافحة الارهاب، في حين أنّ عهده سجل كثيراً من السقطات التي سمحت للارهاب بالنموّ والوصول الى وضعه الحالي، كان تخليه مثلاً عن حماية موقف وزير الدفاع فايز غصن عندما أعلن عن وجود “القاعدة” في لبنان، استجابةً واقعية لتحالفاته الجديدة مع حلفاء التكفيريين يومها والذين ارادوا استعمال لبنان منصة للتدخل ضدّ الدولة في سوريا، على رغم “النأي بالنفس”، وعن كل اجهزة الامن التي منع بعضها من القيام بدوره…
في وسع الرئيس السابق أن يختلف مع حزب الله ومع مَن يشاء، لكنّ ذاكرة اللبنانيين ليست قصيرة الى الدرجة التي تجعلهم ينسون أنّ كثيراً من قيادات هذا البلد وسياسييه لا زالوا من مخلّفات المنتحر غازي كنعان وأنهم يقلّدونه في فهم السياسة واستئنافها من زوايا ضيقة… والعقليات لم تتغيّر للأسف.