كرت ازمة النفايات، كما غيرها من الازمات السياسية والدستورية والخدماتية والاقتصادية والاجتماعية، الطبقة الحاكمة في لبنان، والنظام السياسي الذي انتجها، كما كشفت ايضا الشعب الذي يفرز ممثليه على شاكلته من الطائفيين، وهو ما حدا بالرئيس نبيه بري الى القول ان «الطائفية تحمينا» اي تبقي هذا النظام قائما، وهذه السلطة من زعماء طوائف واقطاع، ورجال مال واعمال، وعائلات واحزاب سياسية، تتداول السلطة وتتوارثها، حيث عجز اصحاب الدعوة لاسقاط النظام الطائفي، من حشد بضع الاف في اكبر تظاهرة لهم تحركت في شوارع بيروت مع اندلاع ما سمي «ربيع عربي» و«ثورة» للاطاحة بالانظمة العربية فاذا بها تتحول الى حروب اهلية مدمرة، دخلت عليها جماعات تكفيرية ارهابية، وقوى طائفية ومذهبية، اسقطت كل ادوات التغيير الحقيقية.
وفي لبنان الذي ماتت فيه السياسة وولى زمن الاحزاب القومية والوطنية واليسارية وقوى المجتمع المدني الحية من نقابات وهيئات فعلية وحقيقية، فان الطائفية هي التي تتقدم وتحيا، وفق ما يصف الوضع قيادي حزبي من زمن النضال الوطني والقومي والاجتماعي الجميل، ويقول ان موت الاحزاب والسياسة، هو الذي احيا الطائفية ومعها المذهبية، التي باسمها تحكم السلطة في لبنان، وتتحول النفايات فيه الى حقوق طوائف ومناطق، ويظهر من تولوا السلطة في لبنان منذ عقود على حقيقتهم، ولكن السؤال من يحاسبهم، ومن هي الجهة التي ستقود الشعب نحو التغيير؟
فالتحركات الموسمية التي يقوم بها بعض شبان وفتيات، من المجتمع المدني لا يتعدون العشرات، وتحت مسميات عدة ومنها حملة «طلعت ريحتكم» في اتهام الى اركان النظام السياسي، فأن مشهد دعاة هذه الحملة في ساحة رياض الصلح، يواجهون رجال الامن المولجين حماية السراي، عن موت الاحزاب والسياسة، كما عن امتناع الشعب عن التغيير يقول هذا الحزبي الذي خبر التظاهرات والاعتصامات والصدامات مع القوى الامنية في مطلع السبعينات من القرن الماضي، حيث المطالب كانت طلابية وتربوية وعمالية ونقابية، تتعلق بتعزيز الجامعة اللبنانية، وتوسيع تقديمات الضمان الاجتماعي، وحماية حقوق العمال والمزارعين والصيادين والسائقين، وتحسين الرواتب والاجور، وقد نشأت حركة مطلبية نقابية واجتماعية، احتضنتها احزاب وطنية وتقدمية ويسارية، لتطوير النظام السياسي واصلاحه، بقانون انتخاب والغاء الطائفية، وتعزيز اللامركزية الادارية، وتحقيق الانماء المتوازن بتطوير الارياف لوقف النزوح من القرى والمناطق النائية باتجاه العاصمة وضواحيها التي زنرتها احزمة فقر سببت بانتفاضات شعبية تطالب بالسكن والصحة والتعليم وفرص العمل لكن هذه المطالب الاصلاحية، قوضتها الطائفية، فتحولت التحركات النقابية والمطلبية الى اقتتال طائفي، فقتل الفقير المسلم مواطنه الفقير المسيحي، والفقير المسيحي خطف توأمه الفقير المسلم على الهوية الطائفية، ودخل لبنان حربا اهلية، ما زال يعيشها باردة.
هذا التوصيف للواقع السياسي الذي عرفه لبنان، منذ نحو خمسة عقود، يؤكد الحزبي المذكور، انه قصد منه ان يشير الى انه لا توجد ادوات تغيير للنظام السياسي ولطبقته الحاكمة، اذ الكل شارك في السلطة من كل الاحزاب والقوى، والشخصيات المستقلة، ولا يمكن لاي طرف سياسي او حزبي، ان يتنكر لمسؤوليته عن هذا الوضع المتردي، لذلك اعتكف المواطنون في منازلهم من يأسهم واحباطهم، وشعارهم ان «في لبنان لا يتغير شيئا»، وان «النواب سيعاد انتخابهم» وان الشعب سيجدد لممثليه انفسهم، لذلك هو لم يكترث لتمديد النواب لانفسهم، كما لم يتحرك لانقطاع الكهرباء ولا لنقص المياه، ولا لرفع النفايات، وان حصلت بعض الاحتجاجات فهي محلية وعفوية وحالة غضب مؤقتة، وليست حالة منظمة تقود الى تغيير الواقع، بل ان من يخرج الى الشارع وبشكل فوضوي، لقطع طريق واحراق دواليب، انما لا يضر الا بمصالح المواطنين.
فاداة التغيير المتاحة امام المواطنين هي الانتخابات النيابية المعطلة، وان صدور قانون انتخاب خارج القيد الطائفي، وينتج تمثيلا سليما يقوم على توسيع الدائرة الانتخابية واعتماد النسبية يضيف الحزبي، لكسر الحلقة التي تأسر اللبنانيين، من خلال سيطرة قوى طائفية عليهم، من خلال شركة خماسية او سداسية، يستفيد منها عدد من اصحاب الاستثمارات الطائفية، التي افلسها هؤلاء من خلال مجلس ادارة طائفي، كانوا يسرقون حصصهم من بعضهم، مما ادى الى افلاس «شركة لبنان للاستثمارات الطائفية».