Site icon IMLebanon

السياسة لا ترحم السياحة… والنتيجة ضياع الموسم

مثل أي قطاع خدماتي، تتأثر السياحة بالوضع السياسي في لبنان. وعلى الرغم من الإنجازات التي قامت بها القوى الأمنية لتفادي التفجيرات التي عصفت بلبنان في العامين 2013 و2014، يأتي الخلاف على قانون الإنتخاب وتوتّر العلاقات مع السعودية ليضع القطاع السياحي في وضعٍ حرج.

رحم الله وديع الصافي الذي خلّد لبنان وطبيعته السياحية بأغنيته الشهيرة «لبنان يا قطعة سما». أغنية نابعة من صميم وطنيتنا وتعلقنا بلبنان وأرضه وشعبه، تعكس في بعض الأحيان ما نتمنّى أن نراه في لبنان اليوم. وفي كل موسم سياحي، نستعيد تلك الأغنية ونُحاول ترويجها إلى العالم لكيّ يأتينا السواح.

أهمّية القطاع السياحي هو أنه يُدخلّ إلى الإقتصاد نقدًا بالعملة الأجنبية وهذا الأمر له فوائده على صعيد الناتج المحلّي الإجمالي لكن أيضًا على صعيد فرص العمل والليرة اللبنانية.

في ستينات القرن الماضي، لعب القطاع السياحي في لبنان دورًا أساسيًا حيث أخذ السواح الأجانب والعرب بالقدوم إلى لبنان بحكم طبيعة لبنان وتنوّعه الثقافي والتاريخي الذي خلّدت أثاره في قلعات وعلى صخور لبنان. لكن هذا الدافع لم يكن الوحيد للقدوم إلى لبنان، بل أن إستقطاب لبنان لرؤوس الأموال في ذلك الوقت، جعل سياحة الأعمال ركنا أساسيا في جلب السواح الأجانب والعرب.

وتحوي بعض المعالم الأثرية على أثار حضارات عديدة مثل قلعة بعلبك التي كُتب على جدّرانها وأعمدتها تاريخ عدّة حضارات (رومانية، تركية، ألمانية، إسلامية ومسيحية)، لا يُمكننا إلا الخشوع أمام عظمة هياكل بعلبك.

جعلت الطبيعة المُتنوّعة بين القدرة على التزلّج والسباحة، لبنان مقصدًا للسواح صيفًا وشتاءً. وقد كان لكازينو لبنان دورًا مُهمًا في جلب العمّلة الصعبة إلى الإقتصاد اللبناني حيث كان المقصد الرئيسي للسواح في ستينات القرن الماضي.

الحرب الأهلية ضربت القطاع السياحي اللبناني بشكل كبير إلى درجة أن القطاع إختفى من على الخارطة الإقتصادية. وعن إنتهاء هذه الحرب، عاد القطاع لينتعش مع تأهيل العديد من المرافق السياحية ومنتجعات التزلّج. وقد ساعد زيارة لبنانيي الإغتراب في إنعاش هذا القطاع بنسبة كبيرة لدرجة أصبح يعتمد بشكل أساسي عليهم.

بالطبع، السواح الأجانب عادوا ومعهم السواح العرب. لكن الأحداث السياسية والأمنية التي عصفت بلبنان منذ إغتيال الرئيس الحريري وحتى يومنا هذا لجمت إلى حدٍ كبير نمو القطاع السياحي.

يمتلك لبنان العديد من المقوّمات السياحية التي تسمح له بتقديم العديد من الفرص للسواح منها السياحة الثقافية، السياحة البيئية، السياحة الدينية، السياحة الطبية، سياحة التعليم، الاستجمام، سياحة الأعمال… وغيرها.

ويُساعد لبنان في ذلك عدة عوامل منها طبيعته، موقعه الجغرافي، مناخه، ثقافة سكّانه، مهارة أبنائه المهنية، الحفاوة التي يتميّز بها الشعب اللبناني، المطّبخ اللبناني الغني…

لكن مُقابل هذه العوامل الإيجابية، هناك عوامل سلبية وعلى رأسها عدم الثبات السياسي وقلّة الإستثمارات في القطاع السياحي حيث أن هذه الأخيرة لم تكن على المستوى المطلوب.

على سبيل المثال، تحتاج قلّعة بعلبك إلى عملية تأهيل (ما يوازي مئات الملايين الدولارات) لكن كل المتوفر هو هبة ألمانية لتأهيل قسم بسيط منها. أيضًا يُمكن ذكر غياب وسائل النقل العامّة لخدمة السواح وتسهيل تنقّلهم بين المعالم السياحية الأثرية التاريخية والدينية.

أهمّية القطاع السياحي في الإقتصاد اللبناني تُثبتها البيانات التاريخية التي تُشير إلى أن مساهمة القطاع السياحي في الناتج المحلّي الإجمالي بلغت 29% في العام 2010، وتراجعت إلى 19% في العام 2013 (مع تصاعد التفجيرات) لتعاود صعودها إلى 23% في العام 2016.

وبلغت قيمة المساهمة في الناتج المحلّي الإجمالي في العام 2016 حوالي 9.17 مليار دولار أميركي. وأنفق السواح ما يُقارب الـ 8.1 مليار دولا أميركي داخل الماكينة الإقتصادية اللبنانية.

لكن التعقيدات السياسية التي تطال قانون الإنتخاب وإحتمال التمديد للمجلس النيابي كما والتعقيدات التي طالت العلاقات اللبنانية السعودية في الأسبوعيين الماضيين، لا تُبشر بموسم سياحي واعد حيث أنه وفي ظل إستمرار الوضع على ما هو عليه، من المُتوقّع ألا تزيد مُساهمة القطاع السياحي في الناتج المحلّي الإجمالي عن 8.7 مليار دولار أميركي كما أن إنفاق السواح في لبنان لن يزيد عن 7.5 مليار دولار أميركي.

أمّا في ظل فرضية الإتفاق على قانون إنتخاب قبل نهاية فترة الولاية النيابية، فستدفع إلى زيادة عدد اللبنانيين المُغتربين الذين سيزورون لبنان بهدف الإستجمام. لكن مع قدرة إنفاقية قليلة نسبة إلى السواح العرب، ستكون التداعيات ضئيلة.

من جهة السواح العرب، نعتقد أن تدهور العلاقات مع المملكة العربية السعودية سيمنع قدوم السواح الخليجيين كما كان مُتوقّعا بُعيد الزيارة التي قام بها رئيس الجمهورية إلى المملكة العربية السعودية وبالتالي، فإن الماكينة الإقتصادية لن تستفيد من إنفاق هؤلاء السواح الذين سيُفضّلون بلدانا إقليمية أخرى مثل تركيا، قبرص وسلطنة عُمان.

يبقى القول أن الحملة الدعائية للترويج للقطاع السياحي اللبناني لن تأتي بثمارها بحكم أن أخبار لبنان والتخبّط السياسي الذي يعيشه، تذهب مباشرة إلى عواصم السواح التي تنصح رعاياها بعدم التوجّه إلى لبنان على مثال روسيا التي وبسبب إنغماسها في الحرب السورية، تخشى أن يتعرّض رعاياها إلى عمليات أمنية خلال وجودهم في لبنان.

في الختام، لا يسعنا القول إلا أن القطاع السياحي اللبناني يبقى رهينة التوافق السياسي وعزل لبنان عن مُحيطه وعدم الإنغماس في مشاكل المنطقة التي تعيش أصعب فترات وجودها من إجتياح العراق للكويت.