IMLebanon

السياسة، لا الخطاب: فرويد وموقعة الفيديو

 

 

ليس تدني الخطاب السياسي سوى تعبير عن تدني السياسة وتصحّر الحياة السياسية في لبنان. وقمة خداع النفس والازدواجية في المواقف هي التصرّف كأن ما يصمّ الآذان من خطاب سياسي هابط صاعقة في سماء صافية. فلا شيء اسمه خطاب سياسي في معزل عن جوهر السياسة. ولا جدوى حتى من تهذيب الخطاب السياسي وتحسينه ان لم تكن الممارسة السياسية مترفّعة والسياسة هي بالفعل فنّ ادارة شؤون الناس، لا فنّ تأميم شؤون الناس لمصلحة المسؤولين وخصخصة المناصب والمراكز بالمحاصصة بينهم.

وأقل ما كشفته موقعة الفيديو هو ثلاثة أمور. الأول ان الاجماع، عن حق، على الرفض والاستهوال لما استخدمه الوزير جبران باسيل من تعابير مسيئة الى الرئيس نبيه بري، رافقه، مع استثناءات محدّدة، تجاهل ردود الفعل المؤذية والخطيرة في الشارع. والثاني ان الاحتقان الشعبي، قبل الحديث عن الصراع بين السياسيين، عميق جدا وكامن تحت غطاء من النفاق الوطني، بحيث بدت قواعد الأحزاب والتيارات وبالتالي الطوائف والمذاهب مثل خلايا نائمة تتحرّك بقسوة وتتبادل الاتهامات والشتائم عند أول اشارة. والثالث ان ما رأيناه، ونحاول الهرب منه، هو صورتنا الحقيقية في المرآة.

لا صورة لبنان الحقيقي الذي كان الاستثناء المميّز في هذا الشرق بل صورة ما صار اليه لبنان بفعل الحروب، وتسلّط الانحطاط السياسي على السمو الثقافي والابداعي، ولعنة الركض خلف المال وعبادة الأشخاص، وصراعات المحاور الاقليمية والدولية التي جعلت من الوطن الجميل ساحة بشعة للتخلّف والتطيّف والتطرّف.

وليس أخطر من البؤس الاقتصادي والاجتماعي سوى البؤس السياسي. فنحن سريعون في صنع الأزمات وبطيئون في الاتفاق على تسويات بعضها من النوع الذي يمنع صنع الحلول. العالم يقدّم لنا ثلاثة مؤتمرات دولية للاستثمار وتسليح الجيش وتخفيف عبء النازحين السوريين، ونحن نحرق الدواليب في الشارع. ننتظر شركة ماكينزي لنعرف ما يجب أن يكون عليه اقتصادنا. لكننا نعرف جيدا كيف نستدين للانفاق على العجز في اللاموازنات، وكيف نتصرّف كأن وصول الدين العام الى ثمانين مليار دولار مجرّد رقم. ونذهب الى انتخابات نعرف انها لن تكون ثورات دستورية على حدّ تعبير ألكسيس دو توكفيل، وأقصى ما نتوقعه هو المزيد من الشيء نفسه، ان لم تأتِ النتائج على مستوى أدنى في السوء.

 

 

 

لسنا في بدايات الخليقة لكي ينطبق علينا قول سيغموند فرويد: أول انسان رشق بشتيمة بدل حجر كان مؤسس الحضارة. لكن أقلّ ما علينا فعله هو التسليم بأن الحياة السياسية لا تبنى بالشتائم، ولا بالحجارة.