Site icon IMLebanon

«الاستطلاع المسيحي»: «تسالي مارونية» أم مخرج رئاسي؟

حسابات وحساسيات على ضفاف الطرح البرتقالي

«الاستطلاع المسيحي»: «تسالي مارونية» أم مخرج رئاسي؟

برغم أن الأحجام التقريبية للقوى السياسية في الوسط المسيحي معروفة الى حد كبير، إلا ان استطلاع الرأي الذي يتولى «التيار الوطني الحر» تسويقه والإعداد له بغية تحديد من هو الطرف الأكثر أهلية لتولي رئاسة الجمهورية، أثار حساسيات هنا وهناك، بعضها كامن وبعضها الآخر ظاهر.

وتفاوت التعاطي مع هذه المبادرة، البرتقالية اللون، بين من وجد فيها فرصة حقيقية للخروج من المراوحة الرئاسية، وبين من وضعها في إطار «التسالي المارونية» ضمن الوقت الضائع.

وإذا كانت قد جرت في السابق استطلاعات رأي عدة، خصوصاً على أبواب الانتخابات النيابية، بمبادرات من الشركات المتخصصة أو بناءً على طلب هذه الجهة الحزبية او تلك، إلا أن الفارق هذه المرة هو ان الاستطلاع المرتقب سيتم بتغطية مباشرة من «التيار الحر» و «القوات اللبنانية» معاً، وبمواكبة الكنيسة المارونية، الأمر الذي سيمنح أرقامه «سلطة معنوية» وقيمة سياسية مضافة، وإن يكن ليس مُلزماً.

واستباقاً لأي تأويلات، وحرصاً على تحصين النتائج المنتظرة وتأكيد مصداقيتها، يسعى «التيار الحر» الى تأمين أوسع مظلة ممكنة للاستطلاع في الساحة المسيحية، من خلال محاولة إشراك قوى أخرى في مراحل إعداده وتنفيذه، الأمر الذي يفسر زيارات النائب ابراهيم كنعان الى سمير جعجع وسليمان فرنجية وسامي الجميل.

وعلى قاعدة حماية الاستطلاع المفترض وتعزيز مناعته، يتطلع «التيار» ـ بالتشاور مع الآخرين ـ الى التعاقد مع أكثر من شركة إحصائية، والتدقيق العميق في طبيعة الأسئلة التي ستُطرح على العينة الشعبية، واختيار أفضل الوسائل العلمية لاختيار هذه العينة.

وينطلق «التيار» في حماسته لمشروع الاستطلاع من قناعة لديه بأن هذا الحجر سيصيب عصفورين معاً، إذ إنه من ناحية سيحسم علمياً هوية الفريق او الفريقين الأكثر تمثيلاً في الشارع المسيحي ما يحسِّن مواقع الأقوياء في معركة الرئاسة، ومن ناحية ثانية سيُبيِّن حقيقة توجهات الأطراف الاخرى، خصوصا تلك التي تعتبر ان المشكلة الرئاسية تكمن لدى المسيحيين المتفرقين وأنَّ عليهم هم ان يعالجوها من خلال التفاهم على طرح موحد. وهذا يعني ان الاستطلاع المتوافق عليه من قوى مسيحية أساسية سيختبر نيات تلك الاطراف وسيجبرها على الخروج من وراء الساتر الذي كانت تتلطى به.

ويؤكد أحد قياديي «التيار الحر» من المكلفين بإنضاج «طبخة» الاستطلاع انه لن يكون مفصَّلا على قياس العماد ميشال عون، بل سيعتمد أقصى معايير الشفافية والنزاهة، مشيراً الى أن الهدف منه كسر الحلقة المفرغة التي يدور فيها الاستحقاق الرئاسي، وتقديم مخرج ديموقراطي للأزمة يبدأ من الناس وينتهي في مجلس النواب الذي يفترض به ان يختار رئيساً من بين المرشحين الإثنين القويين اللذين حازا على أعلى نسبة من الأصوات في الاستطلاع.

ويشير القيادي نفسه الى ان البعض في الداخل والخارج قد يشعر بامتعاض وإرباك حيال المبادرة، لأن الاستطلاع سيطلق دينامية شعبية وسياسية من شأنها ان تفضي الى تحرير الاستحقاق الرئاسي من كلمات السر المستوردة العابرة للحدود، ومن حسابات محلية يرفض أصحابها وصول شخصية قوية الى رئاسة الجمهورية بعدما اعتادوا على وجود رئيس ضعيف يسهل لهم الاستئثار.

وفي مقابل الحماسة التي يبديها «التيار الحر» لاستطلاع الرأي، لا تخفي أوساط مسيحية رفضها له، لافتة الانتباه الى ان رئيس «حزب القوات اللبنانية» سمير جعجع قرر أن يساير الجنرال في هذا الطرح، منعاً لاهتزاز «إعلان النيات» الذي لا يزال مولوداً طري العود، لكنه في قرارة نفسه يعرف ان هذا الاستطلاع لا يقدم ولا يؤخر في المعادلة الرئاسية، لا سيما أن أحجام القوى المسيحية معروفة سلفاً، وبالتالي فإن الامر لن يتعدى في نهاية المطاف حدود تأكيد المؤكد.

وينبه المعترضون الى ان خطورة هذا الاستطلاع تتمثل في انه سيكون سابقة يمكن ان يستند اليها المسلمون لاحقاً، للمطالبة بالبت في مسائل تهمهم او لفرض أسماء في رئاسة الحكومة والمجلس النيابي بحجة أنها نجحت في الاستطلاع، الأمر الذي سيفتح الباب امام فيدرالية مقنّعة.

ويشدد هؤلاء على ان الاستطلاع المسيحي غير قابل للصرف في السياسة او في مجلس النواب، لافتين الانتباه الى انه إذا أفضى ـ فرضاً ـ الى تثبيت الصفة التمثيلية المتقدمة لعون وجعجع وطُلب من مجلس النواب انتخاب احدهما، فمن يضمن النتيجة، ومن يضمن موقف النائب وليد جنبلاط على سبيل المثال.

ويرى المعترضون ان استطلاع الرأي هو آخر ورقة يلعبها الأقطاب الأقوياء، وتحديداً عون وجعجع، على طاولة الاستحقاق الرئاسي، قبل الانتقال الى مرحلة التفتيش عن خيار آخر خارج هذين الإسمين، لكن بالتفاهم معهما.