لن تحمل جلسة الحكومة اليوم اي خرق من شأنه ان يعدل في «الستاتيكو» القائم حاليا برعاية دولية فلا الخلاف على التعيينات سيؤدي الى خرق هذه الحال من التعايش الملزم للقوى السياسية واساسا لا خرق محتملاً في الملف الرئاسي ولا خرق مرتقباً في التعيينات العسكرية حتى ان رئيس تكتل التغيير والاصلاح العماد ميشال عون من موقعه المدافع عن حقوق المسيحيين كما يردده من دوره «المشاغب» كما يصفه اخصامه وعدد من حلفائه يعلم علم اليقين بأن العماد جان قهوجي في قيادة قائد الجيش اللبناني ولا احتمال لتعيين العميد شامل روكز خلفا له وفي الوقت ذاته يدرك عون بأن الفراغ الرئاسي طويل المدى ويمكن الخروج منه اذا ما سلم الفرقاء بأن نتيجة استطلاع الرأي الذي توافق ورئىس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع على اعتماده تشكل انتهاء لحالة الفراغ الرئاسي من خلال انتخابه رئىسا للبلاد بعيدا عن السجال الدستوري – القانوني لالزامية هذا الخيار في نظام برلماني.
اذ حتى حينه لم يسلم عون بأنه خسر اوراقه الرئاسية لا بل ان «الفخ» الذي حاكه لجعجع حليفه في «النوايا» المسيحية – الوطنية سيفرض دخوله الى قصر بعبدا، لكون تيار المستقبل سيوافق على خيار جعجع الرئاسي لكونه الحليف الذي احاله الحريري اليه للحيازة على الموافقة الرئاسية بحيث سيفرض هذا المسار لهذه القوى للمضي به رئىسا على ان يستكمل عندها اتصالاته مع غير قوى اسوة برئىس حزب الكتائب اللبنانية سامي الجميل وغير قوى هو على تواصل سياسي معها اسوة بالنائب وليد جنبلاط الذي لن يتمكن بعدها من المضي في ترشيح عضو تكتله النائب هنري حلو الى رئاسة الجمهورية.
لكن في اوساط حلفاء جعجع من يجد ان تأييده خيار الاستطلاع المسيحي لانتخاب رئىس للجمهورية يسترجع تجربة تأييده للطرح الارثوذكسي النيابي الذي يقول بأن ينتخب كل مذهب نوابه، وبذلك فإن حصر انتخاب رئيس الجمهورية بالناخب المسيحي على حساب النظام البرلماني الذي نص عليه الطائف يؤدي اولا لتقويض النظام الحالي ويؤدي ثانيا لانتاج رئىس ماروني «ارثوذكسي» الخيار، في حين ان رئىس البلاد هو رئىس لكل الطوائف.
وتدرج هذه الاوساط تحركات جعجع في اتجاه عون وتغاضي القوات عن انتقاد تعطيل التيار الوطني الحر للجلسات الانتخابية الرئاسية وصمته عن طرح الفدرالية، ومن ثم تأييد خيار استطلاع الرأي في خانة المناورة على تيار «المستقبل» للحصول على قانون للانتخابات النيابية يتلاءم مع حساباته على حساب غير مكونات….
وتدل المآخذ على جعجع ان الحلفاء في محوره لم يتناسوا بعد مواقفه ابان تأييده القانون الانتخابي الارثوذكسي، وكذلك اطلاقه النار على قرار تيار المستقبل بالمشاركة في الحكومة الحالية بل ان حلفاء جعجع في قوى 14 آذار يشيرون الى ان حوارهم مع عون كان من اجل ارساء تفاهم لصالح البلاد وعمد الحريري لاحالته الى رئيس القوات لاستكمال النقاش معه، في حين ان هدف جعجع من تقاربه مع عون يكمن في انه يريد ان يعزز اوراقه في مقابل تيار المستقبل الذي دعم ترشيحه الرئاسي ودافع عنه في عدة محطات ومناسبات….
ورغم ان اي خرق مستبعد في الملفين الرئاسي والعسكري، فان ثمة استراتيجية لدى تيار المستقبل وفق اوساط قيادية فيه، بان هذا الواقع لا يفرض خلافا مع عون وان لا قراراً ولا رغبة بالصدام معه اذ هو حالة سياسية نشهد الخلافات المشتركة بينهما تعقيدات، باتت واضحة وان التواصل معه كان منتجا له في التعيينات السابقة وكذلك انعكست ارتياحا على الواقع السياسي على حساب انحسار التوتر.
وتتفاعل القوات مع المواقف السياسية التي تحيط بها مؤخرا، من زاوية انها تسمع الكثير من المآخذ التي يعبر عنها سياسيون في المحاور الحليفة لاعضاء كتلتها وتحمل مآخذ على خيارات الدكتور جعجع، الا ان الصورة بالنسبة اليها ليست على ما تبدو للحلفاء او يتصورها هؤلاء، اذ ان ورقة النوايا قد استحصلت من عون اعتراف خطي على اتفاق الطائف في حين ان الحوار معه من جانب المستقبل رافقه باستمرار من جا نب حلفاء عون كلام عن مؤتمر تأسيس، فكان لقاء الرابية وبنود النوايا محطة فاصلة بين مرحلة ضبابية وبين مرحلة واضحة من جانب عون الذي اقر بالطائف بعد عقدين ونصف من رفضه له.
ثم ان «النقمة» على الاستطلاع التي يعرب عنها المعارضون له من حلفاء القوات، هي في غير مكانها وكذلك هي غير مبررة، وهي فقط لتحديد خيارات المسيحيين في المواضيع الكبرى والقوات ليست مشاركة فيها ولم تختَر او تنتقِ مؤسسات لاجراء هذه الخطوة من جانبها، بل هو خيار طـرحه عون ولم ترفضه القوات لكونها غير ملزمة به.
ولا يندرج صمت جعجع عن طرح التيار الوطني الحر «للفدرالية» لكونها «تدغدغ» مشاعره واحلامه، بل لكون القوات لن تتخلى عن الطائف كون تمسكها به يأتي قناعة نظرا لكونه طوى صفحة حرب كبدت لبنان مئة الف قتيل، عدا ان عون اوضح أن «الفدرالية» تأتي كخيار للنقاش، بعد ان تغلق جميع الابواب، اي ان «الجنرال» هو الذي رد على طرحه ولذلك لا حاجة لأن تظهر القوات وكأنها انقضت سريعاً على المصالحة مع التيار لاون مفاعيلها تتجاوز البيئة المسيحية، كي تطال البعد الوطني وتقوي الدور المسيحي… ولذلك تتريث القوات في عدة مواقف نظراً لوجود قوى في كافة المحاور غير راضية على هذه المصالحة وتريد ان تعيد الخلافات بين التيار والقوات الى سابق عهدها، بعد ان طواه لقاء عون – جعجع الاخير.
وفي ظل التجاذبات القائمة وغير المنتجة لتحقيق اي خرق، يبقى الكلام لدى العماد عون، على ما ينقل عنه، بأنه استنفد كل مساعي الانفتاح والحوار مع تيار المستقبل من اجل التفاهم معه على الملفين الرئاسي والعسكري على قاعدة احترام مشاعر واصوات الناخبين المسيحيين، لكن هذا التيار يراهن على سقوط الرئيس السوري بشار الأسد، من اجل الانقضاض على اخصامه ولذلك يفضل عدم التسليم بوجود رئيس قوي للجمهورية يتمتع بشعبية وقادر على اتخاذ قرارات كبرى كون الحريري يتابع المحيطون بعون يفضل رئيس ضعيف للتحكم به وتوجيهه كيفما يريد.
حتى ان عون – يكمل المحيطون- لم يوفر محاولة لطمأنة الحريري سياسياً، لكن القرار الهادف لاضعاف المسيحيين من خلال المثلث الذي يضم اليه، الرئيس نبيه بري والنائب جنبلاط، يبدو انه غير قابل للتعديل او اعادة النظر كونه يؤدي الى استنهاض المسيحيين وهو الأمر الذي يرفضونه.
ويذهب المحيطون بعون بالكلام عن العلاقة غير المنتجة مع تيارالمستقبل، للاستعانة برغبة رئيس التيار الوطني الحر بالدفاع عن «ورقة النوايا» وتفاهمه مع جعجع، من منطلق استنشاقهما للخطر الحقيقي المحدق بلبنان وبالمسيحيين في ظل ترتيب كل القوى والطوائف لمواقعها وحضورها، لذلك فان عون ـ حسب هؤلاء ـ على قناعة بأن مصلحة جعجع من خلال انتخاب الأخير لعون رئىس للجمهورية في حال قرر ذلك، لن يمضي به تيار المستقبل الذي يسعى ان يحصل على المسيحيين «بالمفرق» ولذلك جاءت ورقة النوايا لتقوي الموقف المسيحي.
وتلمح الاوساط المحيطة بعون الى درجة الضررالتي اصابت القوى الرافضة لتفاهمها، الى المواقف السياسية التي يعلنها حلفاء في المحورين المتقابلين في البلاد واللذين توحدا على اسقاط «المصالحة المسيحية»، وان ما عبر عنه اعلاميون او «كتبة» في اعلام 8 آذار، ضد وزراء ونواب في التكتل يتواصلون مع مستشار رئىس تيار المستقبل السيد نادر الحريري، كما يعبر هؤلاء عن ازعاجهم مما يحصل على الخط المسيحي.
واذ كانت الاوساط ذاتها، تؤكد بأن استطلاعات الرأي ستأتي حتما لصالح عون، فانها في الوقت ذاته، تجد ان نتائجها ستكون معنوية واخلاقية قبل ان تكون دستورية او قانونية بحيث يعود من غير الممكن تجاوز موقع عون واعتراضاته، لا سيما ان جعجع، لن ينخرط في الحملة ضد «الجنرال» بعد المصالحة ليمضي مع حليف يريد تقليص حجمه سياسيا ونيابيا، وان هذا التفهم من جانب جعجع الذي يعبر امام زواره عن «تهكمه» على منتقدي مواقفه على استطلاعات الرأي يتابع هؤلاء لن يفرط به لانه على ثقة بأن ما «يخسره مع عون يبقى اكثر ربحا مما سيربحه مع المستقبل».
ولذلك يتابع المحيطون بان عون تكلم عن طرح الفدرالية التي يعتبرها البعض صعبة التحقيق، لكن رغم اعتراض الحلفاء قبل الاخصام عليها، فانها تبقى خياراً جدياً قابلاً للنقاش سواء بقي الاسد ام سقط، لأن تيار المستقبل لن يعدل في تعاطيه الذي سعى عون لثنيه عنه من خلال لقاءاته مع الحريري، لكن الواقع المذهبي والسياسي يفرضان بذاتهما على حسابات زعيم المستقبل، الذي كان بامكانه حسم عدة ملفات لصالح حقوق المسيحيين.