IMLebanon

غير مرحّب بها… مستر بومبيو

 

لم يكن ينقص “نظرية المؤامرة” الجاهزة التي أبرزها فوراً الذين هزَّتهم ثورة 17 تشرين إلا تصريحات واشنطن أمس ومشاعرها “الفياضة” تجاه شعب لبنان وربطَها ساحتي بيروت وبغداد.

 

فعلى مدى ثلاثة اسابيع من الغضب الشعبي الراقي ووضوح المطالب، ومع تمسك اللبنانيين بحقهم وقناعتهم بانتفاضتهم المطلبية والأخلاقية المحقة، تهاوت تباعاً كلّ الاتهامات التي كانت تفبرك تصاعدياً ضد مواطنين قرروا النزول الى الشارع لوضع حدّ لمنظومة الفساد والإفساد.

 

وهكذا في ذروة سقوط “نظرية المؤامرة” بعد فتح الطرقات وانطلاق ثورة التلاميذ والطلاب، جاءنا وزير الخارجية الأميركي ليُعلمنا باستعداد بلاده “لمساعدة شعوب العراق ولبنان على التخلص من نفوذ ايران”. وهو إعلان أعطى مادة ممتازة للمتربصين بالثورة الذين وجدوا في تصريح رئيس ديبلوماسية “الشيطان الأكبر” ضالتهم وكنزاً يغرفون منه تهماً طازجة علَّها ترمِّم الخطاب الفاشل الذي أطلقوه، تارة بتخوين الثورة، وطوراً بالاعتراف المخادع بأحقية مطالب الحراك.

 

يعلم اللبنانيون أن الولايات المتحدة أكبر قوة في العالم، وأن في يدها مفاتيح سلم وحرب دول كثيرة، ولديها أقفال الإقتصاد والمال. ولا ينكرون مساعدتها في بناء الجيش وتأكيدها الدائم على احترام الحريات وحقوق الانسان. لكنهم يعلمون أيضاً ان للولايات المتحدة مصالح تتقدم في معظم الأحيان على المبادئ، ونادراً ما تطابق العنصران. ولنا في مثال الثورة السورية وخطوط أوباما الحمر وانسحاب ترامب شبه الكامل من الشمال السوري ما يؤكد حذر كثيرين من الرهان على دعم واشنطن، مثلما لنا في تجارب شعوب عديدة مع سياسات واشنطن أمثلة لا تُنسى عن نتائج كارثية سجلها التاريخ.

 

لا يفيد اللبنانيين اليوم الربط بين ثورتهم وثورة العراق. صحيح ان طهران اعتبرت بغداد وبيروت اثنتين من العواصم الأربع التي سيطرت عليها، لكن أولوية الثورة ليس التخلص من النفوذ الايراني ولا من سلاح “حزب الله” بل تشكيل حكومة مستقلة من ذوي الكف النظيف والاختصاص تنقذ الاقتصاد من الانهيار وتوقف هدر المال العام. لذلك يقع كلام مايك بومبيو في غير وقته وفي غير محله الصحيح، وهو يسيء الى الحراك الذي يرفض سياسة المحاور ويحتاج كل لحظة الى تأكيد “وطنية” هذه الثورة والى جمع القدر الأكبر من اللبنانيين حولها. والثورة على ثقة بأن أي اجتماع حول مبادئها ومطالبها لتحسين ظروف الحياة وإرساء الحكم الرشيد سيصب في النهاية في مصلحة سيادة لبنان ودولته من دون حاجة لا الى الصدام مع أصحاب السلاح ولا الى دعم الأميركان.

 

شكراً مستر بومبيو. مساعدتكم غير مرحّب بها. وفِّرها للأكراد أو للشعب السوري الذي خذلتموه على مدى سنوات، وصَفُّوا حساباتكم مع ايران على غير حساب لبنان.