هي الضغوط الانتخابية التي يواجهها على حد سواء الرئيس الاميركي دونالد ترامب ورئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو فرضت الإعلان عن خطة «صفقة القرن»، وهو إقرار غير مباشر ربما، بأنّ طرح هذه الخطة لم يعد يصلح أن يكون مشروعاً قابلاً للتنفيذ، بل ورقة انتخابية وسط المعارك المحتدمة.
ذلك انّ توقيت طرح الخطة الاميركية يتزامن مع الاستجواب الحاصل في مجلس الشيوخ الاميركي في حق ترامب، كما مع انعقاد جلسة للكنيست الاسرائيلي للبحث في حصانة نتنياهو إزاء اتهامات الفساد الموجّهة اليه.
ومعه، تحويل الأضواء والتركيز الاعلامي في مجلس الشيوخ الاميركي والكنيست الاسرائيلي الى لقاءات البيت الابيض ومضمون «صفقة القرن» التي طال انتظارها.
ولم يكن رأي السفير الاميركي السابق لدى اسرائيل دان شابيرو مختلفاً. فهو اعتبر انّ المبرر الوحيد لإطلاق خطة «صفقة القرن» الآن، إما محاولة لمساعدة نتنياهو في الانتخابات الاسرائيلية، وإما لجلب دعم انتخابي اضافي لترامب.
ففي الثاني من آذار يتوجّه الناخبون الاسرائيليون الى صناديق الاقتراع للمرة الثالثة خلال عام واحد، وسط تعديلات طفيفة في توجّهات الناخبين، بحيث لا تسمح بإعلان فوز معسكر على آخر، ولكن مع تسجيل تقدّم لحزب «أبيض أزرق» على حساب «الليكود» تأثراً باتهامات الفساد الموجّهة الى نتنياهو.
صحيفة «جيروزاليم بوست» اعتبرت انّ نتنياهو تلقّى هدية القرن عندما دعاه نائب الرئيس الاميركي مايك بنس نيابة عن رئيسه، كما دعا زعيم حزب «كاهول لافان»، أي حزب «أزرق ابيض» بيني غانتس الى البيت الابيض لإجراء محادثات مع ترامب حول «صفقة القرن».
واعتبرت الصحيفة، أنّ القرار هو بمثابة هدية لنتنياهو، لأنّ اهتمام الشارع الاسرائيلي سيتركّز على قمّة واشنطن وليس على الجلسة.
لكن ثمة قطبة مخفية في توجيه دعوة ثانية لغانتس، الذي قبلها رغم اعتراضات داخل حزبه، ذلك انّ الفريق المعترض يخشى من ان تكون الدعوة بمثابة فخ انتخابي دُبّر بالتنسيق مع نتنياهو، بدليل انّ الأخير هو الذي بادر الى دعوة غانتس.
ونقل هؤلاء اعتراضاتهم هذه الى السفير الاميركي في اسرائيل ديفيد فريدمان، لذلك اشترط غانتس لقاء ترامب بمفرده كرئيس اكبر حزب اسرائيلي، وليس الى جانب نتنياهو لكي لا يبدو لاعباً صغيراً بسبب العلاقة الحميمة بين نتنياهو وترامب. لكن ثمة من يعتقد انّ ترامب الذي يدرك صعوبة ذهاب اسرائيل الى انتخابات رابعة، كون المسألة ستصبح عندها أزمة نظام لا أزمة انتخابات، سيسعى الى الدفع في اتجاه حكومة ائتلافية تسمح بضمان بقاء نتنياهو في السلطة ولو عبر شراكة مع غانتس.
ويخشى معارضو نتنياهو من أن يسمح الاعلان عن الصفقة منح واشنطن الضوء الأخضر له لإعلان ضمّ غور الأُردن بنحو أحادي الجانب، وهو ما قد يدفع الى اندلاع انتفاضة ثالثة للفلسطينيين، وهذا ما تخشاه شعبة الاستخبارات العسكرية (امان) .
وعلى الضفة الاميركية تبدو الامور اكثر تعقيداً. ففيما باشر عدد من «الديموقراطيين» حملة مضادة لشرح هدف ترامب بنقل الاضواء من مجلس الشيوخ الى البيت الابيض، يستعد هؤلاء لإعلان موقف متحفظ، لا بل معارض، لـ»صفقة القرن» عند طرحها. وهي خطوة في حال حصلت ستشكّل سابقة في حالات مماثلة، خصوصا أنّ الغالبية العظمى من اليهود تقترع في العادة لمرشح الحزب الديموقراطي.
ولا شك في انّ الحزب الديموقراطي يدرك جيداً صعوبة، لا بل استحالة، عزل ترامب. ذلك انّ مجلس الشيوخ مؤلف من 53 عضواً من الجمهوريين و45 من الديموقراطيين، بالإضافة الى إثنين من المستقلّين يقترعان في العادة الى جانب الديموقراطيين. لكن إدانة ترامب تمهيداً لعزله تتطلب 67 صوتاً، ما يعني موافقة على الاقل 20 عضواً جمهورياً اضافة الى جميع الاعضاء الديموقراطيين والمستقلين، وهو أمر مستبعد جداً.
لكن قادة الحزب الديموقراطي يريدون ضرب صورة ترامب كرئيس نزيه وانهاكه وصولاً الى التأثير على سلوكه ودفعه الى ارتكاب اخطاء، لأنّهم يدركون أن لا وجود لمرشح ديموقراطي قادر على انتزاع الجاذبية المطلوبة، وهذا ما اثبتته التصفيات الداخلية بين المرشحين، حيث جاءت في معظمها باهتة وخالية من الحيوية، وبالتالي، فانّ المعركة الرئاسية الاميركية المقبلة لن تكون بين مرشحين، بل على مرشح واحد هو دونالد ترامب، وعلى اساس من معه ومن ضده، وهو ما يستوجب انتزاع نقاط منه.
وفي آخر استطلاع للرأي أجرته قناة «إي. بي. سي. نيوز» وصحيفة «واشنطن بوست» منذ اقل من اسبوع، اعرب 47 % عن تأييدهم لعزل ترامب في مقابل رفض 49 %.
ووفق الاستطلاع نفسه فإنّ 44 % يؤيّدون ترامب، وإن 56 % يستحسنون سياسته الاقتصادية، فيما كان الاستطلاع نفسه قد سجل في تشرين الاول الماضي انّ نسبة مؤيّدي ترامب هي 38 %.
لذلك، يستمر ترامب في اندفاعه الى التقاط مزيد من الاوراق الانتخابية وقطع الطريق على مساعي ضربه. وتأتي خطوة الاعلان عن «صفقة القرن» في هذا الاطار.
لا بل اكثر، فإنّ الرئيس الاميركي، الذي نفّذ عملية اغتيال قاسم سليماني بشيء من التهور، يسعى الى الفوز بأوراق انتخابية مؤثرة أكثر في الناخب الاميركي. لذلك طالب نائب وزير الخارجية الاميركية ديفيد هيل خلال زيارته الاخيرة بيروت من المسؤولين اللبنانيين رسمياً إطلاق عامر الفاخوري.
ولكن ما يهمّ ترامب اكثر هم الاميركيون من اصول اميركية. وخلال الاسابيع الماضية اكتشفت واشنطن أنّ احد مواطنيها اختفى في سوريا منذ بضع سنوات، وانّ المعلومات التي في حوزة الاميركيين تشير الى انّ الجيش السوري هو من احتجزه. ودخل وزير الخارجية الاميركية مايك بومبيو مباشرة على الخط، فتواصل مع المسؤولين السوريين من خلال مسؤول امني لبناني بارز يمتاز بالخبرة في معالجة ملفات مشابهة.
العرض الاميركي كان مغرياً: بومبيو مستعد للسفر في الطائرة الى مطار دمشق لتسلّم الشخص المعني، وهو مستعد أيضاً لمصافحة كل المسؤولين السوريين الذين سيكونون على أرض المطار، قبل ان يعود الى بلاده مصطحباً الشخص المعني.
إلاّ أنّ السلطات السورية ابلغت أن لا وجود للشخص المطلوب في أي سجن من سجونها.
رغم ذلك، لا تزال واشنطن تأمل في سماع خبر ايجابي، نظراً الى التأثير الكبير للمسألة على الشارع الاميركي. وقيل انّ تشجيع السعودية والامارات على التواصل مع دمشق، هدفه، اضافة الى ترطيب الاجواء معها، السعي الى إعادة الحضور الخليجي الى سوريا على حساب الحضور الإيراني، الذي تلقّى ضربة قوية بعد اغتيال قاسم سليماني، وحيث لا تبدو روسيا معترضة على إضعاف ايران في سوريا نتيجة الفراغ الذي حدث بعد سليماني. هي مرحلة الرسائل الانتخابية تحت سقف عدم الذهاب الى الحروب. وهو ما ينعكس على لبنان مراوحة من دون اختراق سقف الحلول ولا أيضاً الغرق في وحول المواجهات.
لذلك، كانت حكومة الرئيس حسان دياب لمنع تفكك الدولة والغرق في الفوضى، ولكن في الوقت نفسه لملء فراغ من دون انتاج حلول، ملء فراغ قد يسمح بوضع اسس الاصلاحات الملحة المطلوبة، إذا احسن اللبنانيون استغلالها.
ولكن حتى الآن، فإنّ مؤشرات بعض المسؤولين اللبنانيين لا توحي بالايجابية على رغم من أنّ دياب أبدى التزامه تنفيذ هذه الإصلاحات، بدءاً من الكهرباء، أمام السفراء الاوروبيين.