لن تغير زيارة وزير الخارجية الاميركي مايك بومبيو الى لبنان من الوقائع شيئا، واذا كان عنوان جولته «مواجهة أنشطة إيران المخلة بأمن المنطقة»، فإن حدود هذا الصراع على الساحة اللبنانية محسومة سلفا ومحكومة بموازين قوى لن تستطيع واشنطن تغييرها مهما بلغت «نواياها الشريرة» سقوفا مرتفعة تجاه حزب الله الذي يشكل «شوكة» في «حلق» الادارات الاميركية المتعاقبة، ولا يملك رئيس الديبلوماسية الاميركية في جعبته اي حل «سحري» يحد من خلاله من نفوذ الحزب الذي بات قوة اقليمية تتجاوز في تأثيرها الحدود اللبنانية.
هكذا تلخص اوساط نيابية بارزة نتائج زيارة المبعوث الاميركي قبل ان تبدأ، وتشير الى ان الحديث عن «فرمانات» يحملها معه امر مبالغ فيه لان سلسلة من الاسئلة المحرجة تنتظره ايضا في بيروت وعليه ان يقدم اجابات واضحة عنها، خصوصا انه لا يملك «اليد العليا» هنا، فمن سبقه من مسؤولين في ادارته سمعوا من حلفائه «رديات زجلية» مليئة «بقلة الحيلة» والضعف حيال اي رغبة اميركية للتحرك لاضعاف حزب الله، ولذلك يمكن الحديث منذ اليوم ان ما بعد زيارة بومبيو الى بيروت سيكون كما قبلها، لن يجد له شريكا لبنانيا جديا ليعاونه على اضعاف الحزب، سبق وحصل مساعده دايفد ساترفيلد على «اجوبة» مخيبة للآمال، سيأتي «بلغة» «خشبية» معتادة تحمل الكثير من التهديد والوعيد لايران «واذرعها»، سيلوح بالمزيد من العقوبات المالية على الحزب، سيحاول اخافة حلفاء المقاومة بان دورهم لاريب آت في هذه الحملة الاقتصادية، لكنه لن يحصل على اي نتائج عملية، وعندما يعود الى واشنطن سيعيد كتابة نسخة «منقحة» عن تقارير سابقة وهي تحمل في طياتها الكثير من كلمات «العجز» عن احداث التغيير المنشود في بلد جربت فيه الولايات المتحدة كل انواع الضغوط الامنية والعسكرية والسياسية وكانت النتيجة «صفر» على «الشمال»…
وفي هذا السياق، تؤكد تلك الاوساط ان واشنطن لن تجد في لبنان من «يسلّفها» موقفاً «ترحيبياً» بمجيء وزير خارجيتها، كما حصل في الكويت قبل ساعات على وصوله حيث تم الاعلان عن توقيف رجل اعمال سوري ومعاونين لبنانيين له، بتهمة «التخابر» مع حزب الله. طبعا هذا النموذج غير قابل للصرف على الساحة اللبنانية، واشنطن تدرك ذلك، ولا احد في الداخل «يجرؤ» على الاقدام على خطوة «استفزازية» تعرض الاستقرار الداخلي للخطر، وحتى الان لم تثبت الوقائع او المطالب الاميركية ان البيت الابيض قد اتخذ قرارا «بالعبث» في حالة «الستاتيكو» السائدة في هذا البلد الذي بات حجم النفوذ الاميركي فيه موضع «شك»…
ولذلك، فان اي كلام علني او في «الكواليس» من قبل المبعوث الاميركي في بيروت حول دعوة الحكومة والمسؤولين اللبنانين لاتخاذ إجراءات ملموسة لمكافحة «الارهاب»، ومنع حزب الله من التدخل خارج الحدود، سيكون مجرد «علاقات عامة» يدرك بومبيو انها لن تجد آذانا صاغية لدى أحد بحسب الاوساط، لان المقاربة لدى معظم من سيلتقيهم بمن فيهم رئيس الحكومة سعد الحريري مختلفة عن «وجهة النظر» الاميركية حيال «تصنيف» الحزب الذي يشكل جزءا اساسيا من حكومة الوحدة الوطنية سبق وحصل رئيسها على «ضوء اخضر» سعودي واميركي للاستمرار في سياسية «ربط النزاع» مع الحزب، والا لما كانت الحكومة قد ابصرت النور، ولم يطرأ اي جديد في الشهرين المنصرمين كي تتغير المعادلات ويدخل لبنان في الفوضى، وكما تعاملت الدولة اللبنانية مع قرار بريطانيا تصنيف حزب الله «بجناحيه» ارهابيا، سيتم التعاطي مع المطالب الاميركية «الجديدة – القديمة».
وفي هذا الاطار، يدرك بومبيو تقول الاوساط، ان حزب الله عندما ذهب الى سوريا لم يقم باستشارة اي من حلفائه، وطبعا لم يعر خصومه اي اهتمام في وقت كانوا يراهنون او «يتآمرون» لاسقاط النظام في سوريا، وهو بالطبع لم يطلب «اذن» الحكومة اللبنانية، وعودته من هناك لن تحصل الى بقرار ذاتي، ووفقا لتقدير قيادته التي ستتخذ القرار في الوقت المناسب بالتنسيق مع القيادة السورية، ولهذا سيسمع رئيس الديبلوماسية في بيروت تردادا لجملة «سحرية» من كبار المسؤولين تعفيهم من المسؤولية، «وهل استشارنا عندما ذهب لكي نجبره على العودة»… طبعا لا يحتاج المبعوث الاميركي لسماع هذه الكلمات ليدرك حجم «عبثية» مطالبه، لكنه سيحث القيادات اللبنانية على الاسراع في عقد «طاولة حوار جدية» للبحث في الاستراتيجية الدفاعية اي وضع «مصير» سلاح حزب الله على «الطاولة»، وان كان يدرك مسبقا ان النتائج ستكون مخيبة للآمال، لكنه يبحث اقله عن نصر معنوي لزيارته، من خلال القول ان الدولة اللبنانية قررت عدم «التطنيش» عن استمرار هذه القوة العسكرية خارج سلطة «الشرعية» والبحث بدأ في كيفية انهاء هذا الوضع «الشاذ»… ومن المستبعد في رأي تلك الاوساط، ان يربط بومبيو نجاح هذه الخطوات بدعم واشنطن للجيش اللبناني، فهذا الامر من الثوابت التي لن تتخلى عنها واشنطن، وكذلك ليس واردا ان يحمل معه اي تهديد اقتصادي جدي يمكن ان يؤدي الى انهيار الدولة اللبنانية التي تعاني من اوضاع اقتصادية صعبة، بل على العكس من ذلك فهو سيحث على اتخاذ اجراءات اصلاحية وتقشفية باتت ضرورية لانقاذ ما يمكن انقاذه… طبعا ليس في الامر «غرام» بلبنان وشعبه وانما خوف من «فوضى» قد تؤدي الى اضرار «جسيمة» باسرائيل التي يشكل امنها اولوية اميركية…
وانطلاقا من هذه المعطيات، تؤكد تلك الاوساط، ان نتائج زيارة بومبيو الى بيروت لن تختلف عن نتائج زيارة سلفه ريكس تيلرسون في 15 شباط 2018، الرجلان فشلا في حل ازمة الحلفاء في الخليج، ولم يستطيعا توحيد الجهود لمواجهة النفوذ الايراني، وحماسة الاول للصدام مع طهران تصطدم بالوقائع العملية، وهو ما ادى الى فشل قمة وارسو، ومن لا يملك نجاحات في الاقليم لن يستطيع تسويق «بضاعة» «كاسدة» في لبنان، ولذلك وبعيدا عن حملة «التهويل» التي يحاول البعض في لبنان الترويج لها، فان رئيس الديبلوماسية الاميركية مطالب بالاجابة عن اسئلة «وهواجس» لبنانية ازاء السياسات الاميركية وهو سيسمع اقله في «عين التينة» كلاما «قاسيا» حول استمرار الاعتداءات الاسرائيلية على الاراضي، والاجواء، والمياه اللبنانية، ومحاولات اسرائيل «سرقة» الغاز اللبناني في البحر، وهو مطالب بضمانات حيال هذا الامر لان لبنان لن يتهاون في الدفاع عن ثرواته… على جدول الاعمال لبنانيا ايضا مخاطر توطين الفلسطينيين عبر «صفقة القرن» الاميركية التي لا تلحظ عودتهم الى فلسطين المحتلة، وهو هنا مطالب ايضا بأجوبة واضحة غير «ملتبسة»، ولن تغيب عن المحادثات قضية النزوح السوري الى لبنان وعدم قدرة الدولة اللبنانية على تحمل «عبء» هذا الملف الذي توظفه الادارة الاميركية سياسيا، ولم يعد مقبولا لبنانيا ترداد «معزوفة» ربط العودة بالحل السياسي… وسيتم ابلاغ بومبيو ان هذه «القنبلة» قد تنفجر وستكون لها تداعيات خطرة على الاستقرار الداخلي في لبنان.
طبعا، لا تتوقع تلك الاوساط ان يحمل وزير الخارجية الاميركية اي جديد في هذا السياق، وهو سيكرر «كليشهات» الاستراتيجية الاميركية غير القابلة «للصرف» لبنانيا، وفي المقابل سيعيد المسؤولين اللبنانيين تكرار مواقفهم من القضايا المطروحة، وكلا الطرفين لا يملكان القدرة او النية على تغيير الوقائع الراهنة، ولذلك ما بعد الزيارة سيكون كما قبلها، وحتى اقرب حلفاء واشنطن في لبنان لا ياملون كثيرا من نتائج هذه الزيارة، وربما وحده وزير الخارجية الايرانية محمد جواد ظريف يتحمل مسؤولية وجود هذا «الضيف» «الثقيل الدم» في لبنان، فلولا زيارته الاخيرة لما وضعت بيروت على جدول اعمال نظيره الاميركي الذي يعاني مع رئيسه من «فوبيا» ايران ويحاولان ملاحقتها على «الدعسة»…