لم يستمع وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو الى ما نقله اليه المسؤولون اللبنانيون خلال اللقاءات التي جمعتهم به عن الواقع اللبناني المنهار جرّاء النزوح السوري الكثيف واللجوء الفلسطيني فيه، وعن اعتداءات إسرائيل المتواصلة للسيادة اللبنانية أرضاً وبحراً وجوّاً، بل صمّ آذانه عن ذلك، مكتفياً بوجهة النظر الأميركية حول هذه العناوين، والإدعاءات الإسرائيلية المناقضة للواقع.
فما شدّد المسؤولون عليه خلال لقاء بومبيو بأنّ لبنان ملتزم بالقرار 1701 وبأنّ «حزب الله» ممثّل في مجلسي النوّاب والوزراء، لم يسمعه. وما ذكره رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي أمام ضيفه الأميركي بأنّ «حزب الله حزب لبناني في البرلمان والحكومة ومقاومته واللبنانيين ناجمة عن الإحتلال الإسرائيلي الذي لا يزال قائماً لمزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء اللبناني لبلدة الغجر رغم القرارات الدولية التي تُطالبه بالإنسحاب منها، لم يُعره أي أهمية».
هذا الأمر جعل المراقبين السياسيين يؤكّدون بأنّ بومبيو اكتفى بقراءة البيان المكتوب مسبقاً في تلّ أبيب قبل إجراء لقاءاته بالمسؤولين اللبنانيين، سيما وأنّه لم يتعاطف مع أي موقف لبناني محقّ، كونه يتعارض مع ما سمعه هناك قبل مجيئه الى بيروت. ويقول مصدر ديبلوماسي مطّلع بأنّ زيارة بومبيو الى لبنان التي هدفت الى شنّ الهجوم على «حزب الله» ليس لأنّه «منظمة إرهابية» وحسب من وجهة النظر الأميركية، بل من بوّابة أنّه «يقف عائقاً أمام أحلام الشعب اللبناني»، في محاولة لإثارة الفتنة بين شرائح المجتمع اللبناني، المؤيّدة للحزب والمعارضة له، من خلال دغدغة المشاعر الإنسانية، لم تنجح في تحقيق الأهداف الأميركية والإسرائيلية. كما أنّ المكوّنات السياسية التي تُطالب بنزع سلاح «حزب الله» لم تتحمّس كثيراً لكلام الوزير الأميركي كونها تعلم بأنّ لا شيء يتغيّر بمجرّد زيارة، أو بعصا سحرية.
وأفاد بأنّ التهديدات الأميركية للبنان بقطع المساعدات العسكرية للجيش ووقف التمويل المالي الذي يدخل ضمن المساعدات والقروض لدعم لبنان، لن يتمّ تنفيذها. فإذا قرّرت الولايات المتحدة القيام بمثل هذه الخطوات فهي لن تستفيد شيئاً، إنّما ستُقلّص دورها الداعم للبنان من دون أن تلقى أي مقابل. ولهذا فإنّ محاولة بومبيو في بيروت التي فشلت في تبديل الموقف اللبناني الرسمي تجاه العناوين التي طرحها، لن تُغيّر أيضاً في الموقف الأميركي فيما يتعلّق بما تقدّمه للبنان. علماً أنّ بومبيو سعى الى استمالة بعض الأقطاب المسيحية المعارضة لسياسة «حزب الله»، علّه ينجح في إحداث تغيير ما على الساحة اللبنانية. علماً أنّ أحداً لا يُمكنه أخذ مكان الناخبين الذين صوّتوا للحزب، ولا تغيير واقع أنّ الحزب هو «حزب لبناني وشريك أساسي في الحياة السياسية في البلد وقد جرى انتخابه من شريحة كبيرة من الشعب اللبناني». ما يعني أنّ الحزب باقٍ في موقعه، على الأقلّ حتى الإنتخابات النيابية المقبلة في العام 2022، وحتى ذلك الوقت فلكلّ حادث حديث.
وفي رأي المصدر إنّ الحزب سوف يردّ على هجوم بومبيو «الفارغ» عليه، على لسان الأمين العام السيّد حسن نصرالله، غدا، إذ لا يُمكنه السكوت عمّا ساقه تجاهه من اتهامات وانتقادات. علماً أنّ نوّاب الحزب لم يتوانوا عن إبداء آرائهم بمواقف وزير الخارجية الأميركية، أبرزها لرئيس «كتلة الوفاء للمقاومة» النائب محمّد رعد الذي قال «لا ندّعي بأنّ يدنا مبسوطة في السلطة ولا أحد يُحاسبنا. نحن إصبع في هذه السلطة، نؤثّر صحّ، لكن نؤثّر بحسب التوقيت والموضوع والطرف الآخر، ويجب أن نبقى حريصين على أن تشتبك يدنا مع حلفائنا لنستطيع تحقيق المزيد من التأثير».
والغريب بأنّ الضيف الأميركي الذي هاجم أداء «حزب الله» في الداخل اللبناني مشيراً الى أنّ «قراراته الآحادية غير الخاضعة للمحاسبة وضعت الشعب اللبناني في خطر لمدة 34 عاماً»، وأنّه «يتظاهر بأنّه يدعم الدولة»، يرى بعين واحدة. علماً أنّه لا يحقّ لأي دولة التدخّل في الشؤون الداخلية لدولة أخرى تتمتّع بالإستقلال والسيادة، وفق ما ينصّ عليه ميثاق الأمم المتحدة، فضلاً عن مبادىء حقوق الإنسان. أمّا عينه الثانية فلا يُبصر بها الإعتداءات الإسرائيلية المستمرّة بحقّ لبنان و«حزب الله» فيه، ولا بحقّ الفلسطينيين في القطاع والضفّة الغربية ومجمل الأراضي المحتلّة، ولا بحقّ سوريا في الجولان المحتلّ الذي يُحاول السيطرة عليه وضمّه الى «دولته» القائمة على الإستيلاء والإستيطان والتعديات على أنواعها. والأغرب أنّه لا يجد أنّ الجانب الإسرائيلي لم يُطبّق، على مدى العقود الماضية، أي من القرارات الدولية المتعلّقة بالإنسحاب من الأراضي العربية، أو بحقّ عودة اللاجئين الفلسطينيين الى ديارهم وسوى ذلك.
أمّا إعلان قوّات سوريا الديموقراطية بأنّها عملت على القضاء التام على تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) نهائياً في 23 آذار 2019 الذي سبق وأن أعلن قيامه في 29 حزيران 2014، أثناء وجود بومبيو في لبنان، فهو حدث لم يتوقّف عنده أيضاً، لجهة إمكانية تحقيق «العودة الآمنة» للنازحين السوريين الى بلادهم، التي لا تزال بلاده ترفضها متذرّعة بحجج واهية، هدفها تحقيق المصالح السياسية في المنطقة. فعنصر عدم الإستقرار انتفى في جميع المناطق السورية مع القضاء نهائياً على «داعش» فيها، ما يعني أنّ المبادرة الروسية سوف تُستكمل بشكل أفضل، وإن كانت الولايات المتحدة ترفض المساهمة في تمويل صندوق العودة وإعادة الإعمار الروسي. وهذا الأمر كان يجب أن يراه بومبيو القريب من سوريا حالياً، بدلاً من تهديد لبنان بأنّه لن يُساعده في مسألة إعادة النازحين السوريين الى بلادهم. رغم ذلك، أكّد المصدر نفسه، أنّ لبنان سيقوم بتعزيز خطوات عودة النازحين السوريين من قبل الأمن العام بالتنسيق والتعاون مع السلطات السورية، على ما قام به خلال الأشهر الماضية، وإن لم يشأ المجتمع الدولي المساعدة في هذا الإطار. علماً أنّ مسألة القضاء على تنظيم «داعش» في سوريا لا بدّ وأن يأخذها هذا الأخير بالإعتبار في المرحلة المقبلة لدى عقد أي اجتماع دولي يتعلّق بها.
ولم يأبه الوزير الضيف للهجوم الذي شنّه على «حزب الله» من على الأراضي اللبنانية، بل ذهب ليسوح في مدينة جبيل، مستمتعاً بالطقس الربيعي المشمس وبالأمن الذي ينعم به لبنان، رغم وجود «حزب الله» الإرهابي فيه والذي يُشكّل خطراً على الشعب اللبناني!!!!