بات لبنان في عين العاصفة، بعدما تخطّت المواقف الحدود المعتادة، وتسارعت التطوّرات على مختلف الأصعدة، ذلك أنه ما قبل زيارة الرئيس سعد الحريري إلى واشنطن لن يكون كما بعده، حيث وجدت مصادر ديبلوماسية مواكبة، أن لبنان دخل مجدّداً لعبة الأمم، وبات أسير سياسة المحاور ومنصة لتبادل الرسائل الإقليمة والدولية عبر الأفرقاء اللبنانيين أولاً، وما بين الأفرقاء اللبنانيين ومسؤولين أميركيين وإقليميين ثانياً، وهذا ما ظهر على هامش أحداث البساتين، إذ كان البيان الصادر عن السفارة الأميركية منطلقاً للتأكيد على المجرى الذي سلكته الأوضاع، حيث برز ما بين السطور مدى متابعة الأميركيين لحيثيات هذه الأحداث منذ بدايتها وحتى صدور البيان المذكور.
وكشفت المصادر الديبلوماسية نفسها، أن هذا الواقع قد طبع مناخ اللقاءات التي أجراها إلى رئيس الحكومة في واشنطن، حيث واجه الحريري صعوبة في إقناع وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، بتفهّم ظروف لبنان لناحية العقوبات المفروضة على حزب الله، وعلى رجال أعمال لبنانيين وسواهم، وصولاً إلى أن وزير الخارجية الأميركية تعمّد القول أمام الحريري خلال المؤتمر الصحافي المشترك بينهما، ما معناه أن «بلدكم محكوم من حزب الله وإيران»، ما يعني أن ذلك أتى كرسالة أميركية متعدّدة الجوانب لتصل إلى إيران و«حزب الله» وإلى الحكومة اللبنانية.
وتوازياً توقعتالمصادر، وبعد انتهاء عطلة الأعياد، بروز معالم مشهد داخلي جديد استكمالاً للقاء المصارحة والمصالحة في بعبدا، والأبرز في هذا الإطار، أن لقاءات قريبة ستحصل على مستوى قيادتي الحزب التقدمي الإشتراكي و«حزب الله» بعد سلسلة إشارات إيجابية، إن من خلال دعوة حزب الله للحزب التقدمي الإشتراكي للمشاركة في مهرجان النصر في بنت جبيل بالأمس، وحيث مثّل أمين السر العام ظافر ناصر الحزب التقدمي الإشتراكي مع وفد رفيع، وصولاً إلى الدور الأساسي الذي يقوم به رئيس المجلس النيابي نبيه بري مع حزب الله وحيث بات في لمساته الأخيرة، ويتوقع أن يكون اللقاء وفق المواكبين له قريباً جداً، والذي سيصب في سياق تنظيم الخلاف واستعراض ما جرى في الآونة الأخيرة على خلفية دعم حزب الله لحليفه النائب طلال إرسلان.
إنما السؤال المطروح، يتمحور حول المسار السياسي الداخلي والاصطفافات في ضوء الموقف الأميركي وتداعياته محلياً، إذ هناك أجندة لقاءات وزيارات لمسؤولين لبنانيين إلى واشنطن، وسيكون لها وقعها، وذلك على إيقاع شكر الحكومة الأميركية لما تقدمه للجيش اللبناني خصوصاً، وللبنانيين بشكل عام من مساعدات ودعم، وبالتالي تزامن ذلك مع تشدّد الإدارة الأميركية بمواصلة عقوباتها على حزب الله، وربما من خلال ما يتم تسريبه من معلومات عن إمكانية توسيع هذه الإجراءات والعقوبات لتطال أفرقاء آخرين ومن طوائف لبنانية أخرى.
وفي ظل هذه الأجواء والمناخات التي يمكن وصفها بالـ«ضبابية»، لا يمكن لمعظم القوى السياسية أن تخرج من الأجندات الخارجية، وفق المصادر ذاتها، والتي لفتت إلى ما يحصل في شمال سوريا من خلال احتدام المعارك العسكرية ومدى التدخّل الأميركي والتركي، وبالتالي، تداعيات ذلك ليس على المستوى السوري فحسب، بل على الداخل اللبناني أيضاً، مما سيولّد أزمات متفاقمة عبر ارتفاع منسوب التصعيد السياسي والإنقسامات والإصطفافات، وربما تزايد عدد النازحين السوريين، إذ يحكى عن أعداد كبيرة بدأت تغادر مناطق إدلب وحماه وغيرها باتجاهات مختلفة.