بيسين “غبّ الطلب” على الأسطح و”البلاكين”
رائع هو اللبناني كيف يتكيّف مع كل الظروف، لا يفوّت على نفسه موسماً وإن كان الموسم غير واضح المعالم بعد. يحاول أن يجد في المآسي ما يضحكه وفي الحجر ما يسليه. “شتّى” في الحجر و”ربعن” فيه أيضاً وها هو يسبق الصيف قبل مجيئه ويعدّ العدة لبحره وشمسه من حواضر البيت. يستقدم البحر وشاطئه قبل موسمه الى بيته وشرفته والحديقة، وينصب بركة جاهزة يقارع بها أرقى المسابح في ظاهرة لافتة بدأت تغزو غالبية البيوت والشقق اللبنانية.
ما إن ارتفعت درجة حرارة الطقس حتى ارتفعت معها وتيرة الملل عند اللبناني وبدأ “جلده يرعاه” يفكر بالعطلة، نعم بعطلة الصيف وكيف يدوزن أيامها حتى لا تفوته ملذاتها، يخطط كيف يهرب من لهيب صيف لبناني بات أشبه بصيفيات صحراوية لاهبة، يغيب عنها نعيم المكيّف مع غياب الكهرباء المتواصل… سريعاً وجد الحل: إن لم يكن ما تريد فأرد ما يكون، وإن كنت غير قادر على الذهاب الى الشواطئ فاجلبها إليك. بركة جاهزة لا تحتاج لأكثر من منفخ ومساحة صغيرة ويصبح البحرعند أقدامك.
المواطن اللبناني الذي اعتاد أن يحجز عطلته على شواطئ أيا نابا أو بافوس أو في مرمريس وانطاليا وجزر اليونان، وجد نفسه مضطراً للاختيار بين البلكون والسطح أو السطيحة ومن كان مقتدراً بين التراس والحديقة. فالعطلة في زمن الكورونا والانهيار الاقتصادي مستويات، مثل عطلة أيام زمان والبيسينات البيتية مثل برامج مكاتب السفر، كل يختار البرنامج الذي يلائم ميزانيته والوجهة التي تناسبه، و”كل مين بركتوعلى قدّو”. لكن أجمل ما في عطلة “غبّ الطلب” هذه أن المواطن ليس بحاجة الى فيزا ولا تيكيت لتمضية أوقات صيفية مسلية، قد يحتاج ربما الى موافقة سكان البناية لفتح باب السطح أوموافقة صاحب الصهريج لجلب نقلة المياه في أوانها، وبعدها فسحة مشمسة، نبريش ماء وكمية من الكلور البودرة او قنينة من ماء الجافيل وتصبح الصيفية تحت إمرته.
جاهزة وتحت الطلب
إن كنت والداً لأطفال صغار فلا شك أنك تمتلك من السنوات الماضية بركة صغيرة على قياسهم تخرجونها مع إطلالة كل صيف، ولكنك هذا العام، كغيرك من اللبنانيين، تحتاج الى بركة عائلية كبيرة تسرح فيها مع زوجتك والاولاد وربما الجيران والأصحاب. ونيال “يلي عندو بلبنان مرقد بركة زغيورة”…لكن ليس الكلّ محظوظاً بشرفة واسعة تتسع لبركة، والسطح دونه مشاكل كثيرة بين الجيران، لكن على ما يبدو الكل استطاع ان يتدبّر حاله ويسد حاجته ببركة بلاستيكية جاهزة تؤمن له، على الرغم من ارتفاع اسعارها، مساحة صيفية أوفر وأكثر أماناً من البحر والمسابح. صحيح أن الدولة سمحت بفتح المسابح الداخلية والخارجية المزودة بالكلور لكنها منعت البحر عن الناس. إدارات المسابح بدورها لم تحدد بعد “الدخولية” وإذا ما كانت ستعتمد التسعير بالليرة أم بسعر صرف الدولار. والمواطن الذي كان يشكو سابقاً من غلاء الأسعار في المسابح لم يعد اليوم قادراً على تحمل تكاليفها، ومن كان يجد في البحر حليفاً له وجده اليوم عدواً ينذره بخطر مزدوج التلوث والفيروس.
بُرَك العائلات مسابح صغيرة
مبيع البرك البلاستيكية الجاهزة ارتفع بنسبة تقارب 60% وفق محل Enfantillage للألعاب ولا سيما البرك الكبيرة التي يتم تركيبها على دعائم، فهذه ازداد الطلب عليها اكثر من السنوات الماضية، في حين أن البرك المنفوخة الخاصة بالصغار فلا يزال سعر مبيعها ذاته تقريباً كما في كل عام مع بداية كل صيف. أحجام البرك متعددة وتتراوح من 2,2م الى 4 أمتار وصولا الى 7 أمتار كحد اقصى مع عمق يتراوح بين 60 و99 سنتم، ما يجعل منها بركاً حقيقية يمكن للكبار الاسترخاء فيها والسباحة بكل سهولة. الأحجام الكبيرة منها مزودة بفلتر لتنقية المياه مع سلّم خاص وغطاء بلاستيكي يسمح بالحفاظ على الماء حين لا تستخدم البركة. تركيب البرك سهل ولا يحتاج لأكثر من نصف ساعة. ويؤكد القيمون على محل الألعاب ان الأكثر انتشاراً هي البركة المستديرة بقطر 3,66م التي تتسع ما بين ستة الى ثمانية أشخاص. أما العائلة المؤلفة من الوالدين مع ولدين فالبركة ذات الأمتار الثلاثة أو الثلاثة والنصف هي الأفضل لها. لكن ما يجب التنبه إليه انه يصعب وضع أي من هذه البرك على الشرفة التي لا تحتمل وزنها بعد امتلائها، وتصبح معرضة للسقوط أو الانهيار.
سعر البرك ازداد بشكل كبير لأنها باتت تباع بالليرة وفق سعر صرف الدولار، وهذا ما يجعل مروحة الأسعار تتفاوت بين 400,000 ليرة للحجم الصغير وصولاً الى 1,300,000 للبركة الكبيرة، وما بين 700,000 و 880,000 للبرك المتوسطة الحجم، ولكن هذه الأسعار لا تزال هي نفسها بالدولار.
سلامة المياه أولوية لكن سعرها نار
مع البركة يشرح لنا القيمون على محل Enfantillage أنه لا بد من شراء مستلزمات تنقية المياه وتعقيمها فهي ضرورية حتى بوجود الفلتر. وهذه المواد هي عبارة عن مادة الكلور مع نوع من الأسيد الخاص وtester لقياس نسبة الكلور في المياه للتأكد من فاعليتها وعدم تسببها بضرر للجلد. وللبرك غير المزودة بفلتر ينصح بشراء واحد خارجي من المتاجر المخصصة لأكسسوارات البيسينات يؤمن تنقية المياه، وإلا وجب تغييرها باستمرار. لكن متى كانت البركة مزودة بفلتر ويتم استخدام الكلور بشكل صحيح فيمكن للمياه ان تبقى فيها ما بين 20 يوماً وشهر. وهذا أمر في غاية الأهمية في لبنان حيث تتطلب تعبئة البركة شراء المياه من أصحاب الصهاريج، إذ لا مياه الدولة تصل بشكل دوري ولا غالونات المياه المدفوعة تكفي.
وفي حسبة صغيرة نجد أن البيسين المستديرة تحتاج الى 12000 متر مكعب من المياه بسعر إجمالي يقارب 120,000 ليرة، وإذا تمّ تغييرها أربع مرات في الصيف فسعر مياهها يضرب بأربعة، ويأتي ليضاف الى سعرها فيصبح المجموع 1,360,000. والمحزن في الأمر أن الكثير من المنتجعات البحرية باتت تؤجر الكابين بسعر 800$ للحد من خسائرها، ودفع ما يتوجب عليها من ضرائب وتكاليف، وتكون بهذا كلفة البيسين المنزلي قريبة من كلفة استئجار كابين لأربعة أشخاص، في منتجع يؤمن كل ما يطلبه الفرد إلا التباعد الاجتماعي.
أين المايوه؟
الصيفية انطلقت رسمياً على “البلاكين” والأسطح فبت لا ترى إلا سيقاناً مسحوبة وأجساداً صغيرة ترتاح تحت الشمس أو تلعب في الماء. ومن لم يجد مساحة لوضع بركة اكتفى بالبرونزاج على الشرفة مع قنينة مياء ترش الماء البارد، ربما تكون ذاتها التي كان يستخدمها قبلاً للتعقيم. ولكن يبقى السؤال المحيّر الذي يشغل بال روّاد البرك: أين المايوه وأي واحد نختار؟
المايوه (أو الشورت… لدواعي الجيرة) ليس آخر موضة بالطبع ولا “نيوكولكشن”، مايوه السنة الماضية يفي بالغرض بغياب عيون تتأمل، وبوجود الكلور الذي يبهت الألوان ويرخي المطاط.
على الشرفة
تقول صوفيا وهي صاحبة بوتيك Les Folies De Sophie إنها حتى اليوم لم تبع مايوهات جديدة، بل إنها لم تجرؤ على استقدام الطلبية التي كانت قد أوصت عليها قبل الثورة، فهي تخشى ما ستكون عليه الأسعار بعد الارتفاع الجنوني لسعرالدولار. فعلى الرغم من نجاح البيع أونلاين إلا أن سوق المايوهات لم يبدأ بعد، لكن المفاجئ أن أكسسوارات البحر كالحقائب والقبعات و”المشايات” وملابس الشاطئ مثل العباءات و”الروبات” الطويلة سوقها مزدهر، وذلك لأن السيدة تستطيع الخروج بها الى السوق أو عند الجيران والأهل، بينما المايوه ليس من أولوياتها بخاصة أن لا أحد سوف يراه عليها في هذا الموسم.
تخشى صوفيا من أسعار “الكولكشن” الجديدة فهي حتى اليوم ما زالت تبيع القطع على سعر 1500 للدولار، ولكن إذا اعتمدت التسعيرة الجديدة فربما يصبح سعر المايوه جنونياً لا تجرؤ حتى على التفكير به، ولا سيما وان كل ما تستورده من مايوهات يأتي من اليونان وإيطاليا والبرازيل. نسألها أليس من مايوهات محلية الصنع يمكن بيعها بأسعار معقولة؟ تجيب صوفيا: لست على علم بوجود مصانع محلية لخياطة المايوه فهو يحتاج الى ماكينات خاصة عالية الكلفة، لا يمكن أن تصنّع إلا المايوهات لذا قد لا تكون موجودة في لبنان. وماذا عن الصناعة الصينية أليست متوافرة في لبنان بأسعار مقبولة جداً تتيح للجميع ارتداء مايوه جديد هذا الموسم؟ أكيد هذه النوعية من البضائع موجودة لكن صوفيا تعترف أنها لا تشتغل بالقطع الشعبية مطلقاً. ربما اليوم بعد السماح بفتح المسابح تتغير الأمور ويتحرك السوق أكثر وتتهافت السيدات على شراء المايوه. فمع اللبنانيين لا نعرف مطلقاً ما نتوقع، تختم صوفيا كلامها.
“كويّس ورخيّص” ومن حواضر البيت
قد يغيب المايوه الجديد عن برك “البلاكين” والأسطح لكن الزيوت والـ Ecran على الموعد، على الرغم من دوبلة أسعارها، وفق ما تخبرنا به إحدى الصيدلانيات، وإعلاناتها بدأت تملأ الشاشات. لكن غلاء هذه المستلزمات توازنه الأسعار المدروسة لمقتضيات تمضية الوقت في البركة. فزجاجات المياه بسعر الكلفة، والبيرة بتسعيرة السوبرماركت أما الأكل فمن حواضر البيت، وحتى “الأرغيلة” يمكن تجهيزها بسهولة أوحتى طلبها “دليفري”.
كل شيء ميسر أمامك لقضاء وقت مسل، لست مضطراً لتأخذ يوم عطلة من عملك حتى تقصد البحر ولا أن تنتظرعطلة نهاية الأسبوع لتصطحب العائلة الى الشاليه أو المسبح ؛ بين تلفون وآخر وبين زوم وسكايب يمكنك أن تأخذ غطسة، وإذا كان الاتصال صوتياً يمكنك ان تصرّف أعمالك وأنت مستلق في البركة و”الواي فاي” شغّال. لا دوام يفرض عليك ساعة الوصول أو ساعة المغادرة، الأبواب مفتوحة في الليل كما في النهار فلا رقيب عليك سوى نفسك والجيران.
من ينعس أو يتعب ينام في مكانه لا حاجة له لأن يعلق في عجقة السير الأسطورية التي تشهدها طرقات لبنان في عطلة نهايات الأسبوع الصيفية. الحمام قريب والمروحة موجودة لتعدل درجة حرارة الطقس ولا من يصفر ليمنعك من اللعب و”المهارشة” مع الاصحاب أو ليجبركِ على وضع الـ”بونّيه”. إنه البحر بكل متعه بين يديك، في الجبل، على الساحل أو في بعلبك “كويّس ورخيّص”، فعسى ألا تستفيق الدولة لتفرض ضريبة مستجدة على الأملاك غير البحرية، وتحصي على اللبناني غطساته فتزيد عليها غطسة جديدة.
Pool Party
أسلوب مستحدث في التسلية والتقارب الاجتماعي ابتكره مراهقو لبنان وشبابه، لتمضية وقت مسل معاً. إنه الـ Pool party أو لقاء حول البركة أو فيها يجمع الشباب المحجورين سابقاً، فيتقاسمون البركة، يوم مفرد ويوم مجوز، يضحكون، يمرحون، يشربون ويقلدون ايام العز البائدة، وربما يعودون الى مقولة مشاوي والشباب… يسرقون الفرح في زمن صعب ويؤكدون أن إرادة الحياة تنتصر دوماً.