تكسير البيض لا يصنع العِجة في لبنان، لا بيض الدجاج الذي رشق المتظاهرون به سيارات السياسيين المسرعة هرباً من غضب الصارخين “طلعت ريحتكم”، ولا بيض السياسة الفاسد الذي تراشق به المتحاورون ساعات وراء ابواب مغلقة وعقول مغلقة وحسابات مغلقة، تعطّل الدولة منذ زمن عندما تصرّ على شلّ عمل الحكومة ومجلس النواب، ثم يأتي من بيئتها المخططة أو الحاضنة، وزراء بقمصان العفّة ويتّهمون الحكومة على طريقة ليلى والذئب، بأنها عكّرت الماء في “البلد المعوكر” منذ بداية الاستقلال.
كان نبيه بري يدرك سلفاً ان دعوته الى الحوار هي من نوع “من جرّب المجرب”، لكنه بسلامة عقله وخبرته ودرايته المشهود لها، كان يعرف ان الحمّى الشعبية المتصاعدة لا يجوز ان تواجَه من السياسيين بالعمى والتقصير، ولأن ليس هناك غيره من له صلاحية المرجع ليلقي حجراً جديداً على جوزة الحوار، دعا الى ما سمّاه “محاولة للتوافق ونداء استغاثة” علّ الرحمن يفك الصدأ والكلس عن بعض السياسات، سواء كانت تخطط للذهاب الى مؤتمر تأسيسي أو كانت تواصل قرع طبول الفخامة على طريقة قطع الأرزاق من قطع الأعناق!
لكن جلسة الحوار كانت فاشلة بامتياز، وكان بري رحوماً بامتياز عندما استجلب الصحافيين و”سجنهم” في القاعة موحياً أنه سيدلي ببيان، ربما ليفسح في المجال لخروج طرشان الحوار خلسة من أبواب خلفية وبعيداً عن العدسات والأسئلة ومن البيض كلاماً وشتيمة!
ولو كان هناك بصيص أمل في ان يصل الحوار الى حد أدنى من التفاهم لكان من الطبيعي ان تتابع الجلسات مساء أمس وصباح اليوم وعلى مدار الساعة، ولكن لأن مسؤولية بري معاندة الفالج السياسي فقد “ضحك علينا” وعلى السياسيين بتحديد جلسة جديدة بعد ثمانية أيام، هو يعرف ونحن نعرف انها مدة كافية لتتجاوز فيها قمامة الخلافات السياسية زبالة المنازل ونحن في أيلول وطرفه”المبلول”!
ليس لي سوى القول مسكين يا لبنان، ذلك ان اليأس كامل تقريباً من ان يتمكن الطقم السياسي في البلد من رسم خريطة طريق لخروج متدرّج من الأزمة القاتلة، واليأس كامل تقريباً من ان يتمكن الحراك الشعبي [دخلت عليه أصوات من حطام إيديولوجيات منهارة ومن حسابات تريد ذبح الحراك من داخل الحراك إياه]، من تشكيل قيادة تحمل تصوراً قابلاً للتطبيق ويمكن ان ينقل البلد الى حال أفضل من دون تدمير الدستور ودفع لبنان الى جحيم الفوضى!
وإذا كنا في حال “ح – ح” أي حوار فاشل في مواجهة حراك هائج، فإن المطلوب على الأقل ان يفتح بري “كوريدوراً” للنقاش بين أهل الحوار وأهل الحراك، قبل ان يفيض التراشق بالبيض ويصبح البلد طبقاً من العجة الدموية !