Site icon IMLebanon

البابا يسأل… وباريس والقاهرة لا تملكان جواباً

ما زالت رئاسة الجمهورية اللبنانية محطّ اهتمام دول العالم، من دون أن يتطوّر ذلك الى مبادراتٍ فعلية تنقذ الوضع وتؤسّس لمرحلةِ حلولٍ بعيدة عن مسار أحداث المنطقة.

لم تبقَ دولةٌ عربية أو إقليمية أو غربيّة إلّا و«بلّت» يديها في الأزمة الرئاسية التي تشكّل منبراً أو مسرحاً لإستعادة دورٍ فُقد، أو مناسبة لإطلالة جديدة بعد التراجع في الأدوار نتيجة ظهور ثنائيّة الولايات المتحدة الأميركيّة والإتحاد السوفياتي على الساحة العالمية، وتراجع دور فرنسا وبريطانيا العظمى عالمياً، في حين خفّ دورُ مصر وسوريا إقليمياً، وتقدّمت السعودية وإيران الى الواجهة.

كلّ تلك التبدّلات يمكن مقاربتها من الزاوية اللبنانية، فمَن كان من القوى السياسية الإسلامية وحتّى المسيحيّة يناصر القاهرة، بات الآن متحالفاً ومدعوماً من الرياض أو طهران، ومَن كان يتّكل على الحاضنة الفرنسيّة وخصوصاً القوى المسيحيّة أصبح ضائعاً وليس له أيّ سند يتّكي عليه، فيما لا تهتم واشنطن بتفاصيل اللعبة اللبنانية، بل كلّ ما يهمّها السياسة العامة وتأمين مصالحها الإستراتيجية.

لم تُفهم الخطوة المصرية، أو بالأحرى لم تأخذ الضجّة المطلوبة بعد زيارة وزير خارجيتها سامح شكري الإستطلاعية الى بيروت، والكلام الذي سبقه ومفاده أنه يحاول طرحَ مبادرة رئاسيّة. فحتى الساعة ووفق أوساط مطّلعة فإنّ مصر لا تحمل أيّ مبادرة قادرة على تسويقها لأنّ الأزمة السياسية في مكان مغاير تماماً. وفي معيار التأثير، فإنّ القاهرة لم تعد «قاهرة» جمال عبد الناصر، فالجميع تربطهم علاقات مميّزة بها، لكنّ الإطار الضيّق يُظهر أنّ سنّة لبنان يتأثرون بالسعودية وليس بمصر.

وينطبق على فرنسا ما ينطبق على مصر، فعهد الدعم والتأثير في الزعامات المارونية ولّى كما بات مؤكّداً، فالزعيم الماروني يأخذ في الإعتبار التوازنات الإقليمية ووجهة نظر الرياض وطهران أكثر من باريس، لكن لا يستطيع أحدٌ من اللبنانيين إنكارَ الدور الإيجابي الذي تلعبه فرنسا وتحرّكها الدائم تجاه لبنان، ومحاورتها إيران باستمرار من أجل الإفراج عن الرئاسة اللبنانية. ونتيجة اللقاءات والإتصالات مع القيادات اللبنانية، فإنّ النشاط الفرنسي لم يصل الى أيّ نتيجة تُذكر.

ليست الأجواء على خطّ الفاتيكان أفضل بكثير، أو البورصة الرئاسية مرتفعة، فالغيوم ما زالت ملبّدة، وكلّ إتصالات الكرسي الرسولي مع واشنطن وموسكو لم تُؤتِ ثماراً حتى الآن.

وفي السياق، علمت «الجمهورية» أنّ «اللقاء الأخير الذي جمع البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي بالبابا فرنسيس، تناول شؤون لبنان والمنطقة، وقد عبّر البابا عن أسفه وألمه لما تمرّ به منطقة الشرق الأوسط من حروب وتهجير وقتل ودمار يطاول المدنيين والأبرياء، ومن جهة ثانية، أبدى البابا إمتعاضه لإستمرار الفراغ الرئاسي في لبنان وعدم قدرة اللبنانيين على إنتخاب رئيس حتى الساعة ما يُهدّد الكيان اللبناني واستمرار الدولة».

سواءٌ بقيَ الوضع على حاله أو ذهب نحو الأسوأ أو تمّ إنتخاب رئيس للجمهورية، إلّا أنّ الأزمة السياسية لن تُحلّ بسبب تركيبة لبنان غير المتجانسة والولاءات الخارجيّة وتمسّك كلّ طرف برأيه. فالحوار لم يفضِ الى أيّ اتفاق بين القيادات اللبنانية على الموضوعات الحسّاسة، كذلك فإنّ ربط النزاع الداخلي يُعتبر تنفّساً إصطناعياً يبقي المريض على قيد الحياة بلا أمل بالشفاء.

ومع مراقبة الإستقرار الداخلي، هناك مَن يستغرب عرقلة الإنتخابات الرئاسية، في حين تصرّ الدول الكبرى على حفظ أمن لبنان، والابتعاد عن الخضّات، والحفاظ على الحدّ الأدنى من الحكومة، وإصرارها على إجراء الإنتخابات البلدية في موعدها أو اعتبار لبنان من الدول المارقة.

سؤالٌ كبير يُطرح قد يكون جوابه إلهاء الموارنة بمشاعات العاقورة وتنورين ومحاولة سلبهم ملكهم، وحشرهم في معارك متفرّقة صغيرة أو كبيرة، وعدم الإصغاء لكلمتهم والانقضاض على حقوقهم، فيما العين مركّزة على رئاسة الجمهورية لكي تسقط من أيديهم.