Site icon IMLebanon

البابا وأزمة لبنان… لا حلّ إلا من عند الآب!

 

 

تعيش البلاد تعطيلاً ما بعده تعطيل، إذ إن كل الكوارث والإنهيارات الحاصلة لا تنخز ضمير المسؤولين.

 

فاخَرَ حكّام لبنان وعلى رأسهم حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بأن “ليرتنا عملتنا”، ما دفع الشعب إلى الثقة العمياء بكل الوعود ووضع جنى عمره في المصارف، فطارت الأموال ومعها البلاد. وتكمن المشكلة اليوم في أنّ المواطن فقدَ ثقته بكل الطبقة السياسية والإقتصادية، ولعلّ المقاطعة الخارجية أكبر برهان على الحالة المتردية التي وصل إليها الحكم اللبناني.

 

كل كلام الدول قد يصنّفه البعض في إطار الضغط السياسي أو الإستثمار، لكن أن يُطلق قداسة البابا فرنسيس عبارات مهمّة تتخطى الواقع لتصل إلى الهمّ الوجودي، يعني ذلك أنّ الوضع وصل إلى الخطوط الحمراء.

 

عبارة واحدة أطلقها البابا فرنسيس وهي: “أيها الربّ الإله خذ لبنان بيده وقل له: إنهض، قم، كما فعل يسوع مع ابنة يائيرس”، قد تكون أكبر تعبير عن “التعتير” الذي يعيش فيه الشعب.

 

في الشكل، إن هذه العبارة تستعمل كدلالة على القيامة، لكنّ من يتعمّق في كلام البابا يكتشف أن معناها الحقيقي يكمن في أن حالة لبنان تشبه إبنة يائيرس التي أقامها المسيح من الموت، أي أن بلد الأرز في موت سريري. أما المعنى الثاني فهو أن الوضع اللبناني يحتاج إلى قوّة إلهية وإلى أعجوبة كبرى كي يعود إلى الحياة، وبالتالي فإن البابا فقدَ الثقة بكل هؤلاء الحكّام الذين أوصلوا البلد إلى هذه الحال.

 

هل بات لبنان بحكم الميت في نظر الكرسي الرسولي؟ سؤال كبير يُطرح بعد عبارة البابا، فالفاتيكان كان يعتبر لبنان ابنه المدلل نظراً لوجود أكبر تجمّع مسيحي في الشرق، فإذا غاب مسيحيو لبنان يصبح الشرق فارغاً من المسيحيين ويندحر تأثيرهم، والأهم من هذا كلّه أن الفاتيكان يصنّف لبنان على أنه نموذج للتعايش الإسلامي- المسيحي وهو مدرسة في هذا الإطار، ويجب تعميم هذه التجربة على كل البلدان، وإذا غاب لبنان بطابعه الحالي فإن هذا النموذج سيغيب ويخسر العالم التجربة اللبنانية الفريدة.

 

وأمام كل هذه المخاوف، فإن الفاتيكان ينظر بريبة وخوف إلى السيناريو الكارثي الذي ينتظر لبنان، فإذا وقع الإنهيار الكبير وتعمّق، فإن الخطر ليس على “إتفاق الطائف” فقط، بل على وجود الكيان بشكل عام، لذلك، فإن سلوك الحكّام سينقل لبنان من الموت السريري الذي يعيشه اليوم إلى الموت الحقيقي الحتمي.

 

يؤمن المسيحيون بالقيامة، لذلك فإن الكرسي الرسولي يؤكّد انه لا تزال هناك فرصة لإنقاذ الوضع اللبناني، لكن هذا الأمر يتطلّب تغييراً في نهج الحكم واستبدال الحكّام الذين أوصلوا البلاد إلى الفراغ و”جهنّم”.

 

لا يملك الفاتيكان دبابات ليتحرّك أو يضغط، لكنه يملك قوّة تأثير معنوية في العالم، وهذه القوة يستعملها مع العواصم الكبرى مثل واشنطن وباريس، لكنّ كل جهود الكرسي الرسولي لن توصل إلى أي مكان إذا لم تترافق مع صحوة داخلية.

 

بعث البابا بالتحذير الأقوى إلى الطبقة السياسية خلال إستقباله الرئيس نجيب ميقاتي، لكن رهان قداسته على شباب لبنان الذي بارك ثورتهم في تشرين 2019، واليوم يضع المسؤولية على هؤلاء الشباب ليمنعوا خنق بلدهم وموته على يد سياسيين فاسدين يمارسون القهر والتجويع والقتل بحق شعبهم.