Site icon IMLebanon

تناغم بكركي والفاتيكان: البابا “يُبطرك” خطابه

 

 

شكّل الدعاء المشترك الذي توحّد خلال رسالة البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي الميلادية وقداس العيد وقداس البابا فرنسيس قاسماً مشتركاً ورجاء من اجل ولادة لبنان الجديد. منذ أن أطلق البطريرك الراعي النداء الشهير في تموز من العام 2020 والداعي إلى إعلان حياد لبنان وعقد مؤتمر دولي لإنقاذ البلد، تحاول ماكينات حزبية مسيحية وغير مسيحية

 

الإيحاء بأنّ مطالب الراعي لا تلقى آذاناً صاغية في الكرسي الرسولي، وكأنّ الفاتيكان يرفض طروحات بطريرك الموارنة ويدعو بكركي إلى إجراء حوار مع «حزب الله»، وحتى يذهب البعض إلى تبني نظرية «التيار الوطني الحرّ» الذي يعتبر أنّ «الحزب» حامي المسيحيين، هذه النظرية التي ترفضها الغالبية الساحقة من المكوّن المسيحي نظراً لـ»ذميتها» واعتبارها أنّ الدولة اللبنانية تحمي الجميع.

 

ورفع الراعي الصوت أكثر فأكثر في الأسابيع الأخيرة خصوصاً بعد فشل المجلس النيابي في انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وجدّد سقف مطالبه بالحياد والإسراع بعقد مؤتمر دولي لإنقاذ لبنان.

 

وأتت الضربة قاسية لأصحاب نظرية أنّ البابا لا يؤيد طروحات الراعي، وقد أعلنها أمام الجموع وعلى مسامع العالم بأكمله إذ قال البابا فرنسيس خلال قداس العيد: «ساعد يا رب لبنان لكي يتمكن من التعافي بمساعدة الجماعة الدولية وبقوة الأخوّة والتضامن».

 

المطلعون على موقف الفاتيكان يؤكّدون أنّ كلمة البابا لم تأت من فراغ أو منفصلة عن مجرى الأمور، فالبابا منذ اندلاع إنتفاضة شباب لبنان في 17 تشرين 2019 بارك تلك الإنتفاضة وراهن على نجاحها، وينتقد دائماً الطبقة السياسية اللبنانية ويعلن عن تضامنه مع الشعب اللبناني.

 

وتعتبر دوائر الفاتيكان أنّ لبنان يواجه أصعب أزمة إجتماعية وإقتصادية في تاريخه، لذلك تعمل بعيداً عن الأضواء مع المنظمات الدولية والمانحة من أجل تأمين مساعدات للشعب اللبناني، وكذلك يتصل الفاتيكان مع الدول الفاعلة من أجل مضاعفة الدعم للشعب.

 

أمّا سياسياً، فإنّ نقطة التحوّل هي ما قُرئ بين السطور من تبني البابا لطروحات الراعي في ما خصّ طلب المساعدة الدولية لعقد مؤتمر إنقاذ. من يعرف سياسة الفاتيكان يعلم جيداً أنّها تسير على «الفحم الحجري»، فعند خروج أي موقف من جهة فاعلة كبكركي مثلاً، يأخذ هذا الأمر وقتاً طويلاً من الدراسة والتعمّق، لذلك لم يخرج أي موقف علني من طروحات الراعي.

 

وثبّت الفاتيكان سياسته تجاه لبنان والمبنية على الحفاظ على الصيغة ودعم «اتفاق الطائف» واعتبار لبنان نموذجاً ومختبراً للتعايش المسيحي- الإسلامي في العالم وأرضاً لحوار الأديان والحضارات. وكان هناك خوف فاتيكاني من أن الإقدام على أي خطوة غير مدروسة قد توصل إلى ضرب صيغة لبنان الفريدة لأنّ إنهاء المناصفة يعني غياب التوازن، وبعدما درس كل الجوانب المحيطة بطروحات الراعي واكتشف أن هذه الطروحات تؤدّي إلى تثبيت «الطائف» وحماية الصيغة، رأى أنّه من الأجدر دعم مثل هكذا خطوات لأنّ الصيغة بخطر ولا مجال إلا للقيام بهذه الخطوات لأن الإتكال على الداخل اللبناني غير مجدٍ.

 

وبات الفاتيكان على قناعة راسخة بأنّ لا قيامة للبنان من دون مدّ يد العون الدولية خصوصاً أنّ هناك دولاً تستخدم لبنان كمنصة لإطلاق صواريخها أو تمرير رسائل إقليمية ودولية ولا تنظر إليه نظرة الفاتيكان.

 

من هنا باشرت دوائر الفاتيكان باجراء سلسلة إتصالات دولية أبرزها مع الولايات المتحدة الاميركية وفرنسا من أجل مساعدة لبنان في حلّ معضلة إنتخابات رئاسة الجمهورية ومن أجل التحضير لمؤتمر دعم يأتي في السياق الذي يدعو إليه البطريرك الراعي ويكون مدخلاً للحفاظ على الصيغة اللبنانية الفريدة ولإنقاذ الشعب والكيان.