مبهر هذا العراق الآخر الذي أزهرته كربيع زيارة البابا فرنسيس إلى بلاد ما بين النهرين. مبهرة تقاسيم الفرح على وجوه العراقيين. وطالع كالنبت الريان إيقاع أغنية “هلا بابا” التي حركت شعباً جائعاً للفرح وللأمل.
بالتأكيد انزعج المحور من المشهد. بالتأكيد انتابه القلق على امتيازاته عندما اكتشف أن هناك من أسعدته الزيارة وكسرت لديه حاجز الخوف. وها هو يرى كل سطوته تنهار برقصة فولكلورية وأصوات تصدح وأكف تصفق لغير الزعيم، وهو الذي يُحرِّم الرقص والغناء ويُكفِّر من يرتكب مثل هذه الزندقة.
بالتأكيد شعر المحور بأنه يفقد ادعاءه القدرة على حماية الأقليات، ومن خلال تجذير ثقافة الموت والقتل المبرر والخوف من الآخر وتغييب الدولة والمؤسسات لحساب الأقوى، واستخدام الإيديولوجيا والدين للقمع والتواري خلف حجب سميكة تلغي التفكير وتحدد الحلال والحرام على قياسها.
فالعمل الحثيث الذي كان قد حسب أنه أنجزه تهاوى عندما فتحت الزيارة ثغرة في البنيان الذي يسير بنا نحو التخلف، بعد الإستعانة بالشحن الطائفي غب الطلب ورفع أسوار المناطق الذهنية المحرمة.
بالتأكيد شعر بالرعب. فهو إما مُرْعِب وإما مرعوب.. لا مكان وسط بين المقامين.
وها هو يرى أن الأموال التي حرم منها شعبه وشعوب الدول التي يسيطر عليها ليدعم مشروعه ربما لن تؤتي النتائج المرجوة. واهتز كل التبشير بجنته عبر الاستشهاد والفتاوى التي تبيح سفك الدماء، وذلك بفعل خطاب بسيط يدعو الى السلام والحوار وينبذ استخدام السلاح، حمله الحبر الأعظم الى أرض البؤس والقهر والقتل والتهجير.
صحيح أن لحظات الفرح التي شهدناها في الأيام الماضية مرشحة لتكون عابرة، لكن من يتابع الفكر المحوري يعلم انه حتى البروفة ممنوعة. مذاق الفرح بحد ذاته ممنوع. والسبب أن هذه الزيارة لا تنعكس على العراق فقط، وانما قد تتجاوزه الى البلاد الأخرى التي تعاني ما يعانيه.
فالمحور حسب انه أباد القدرة على الفرح أينما بسط سطوته وسلطته. وكما في بغداد كذلك في طهران وصنعاء ودمشق وبيروت.. وتحديداً بيروت التي انقلبت على نفسها لتلبي الصورة التي أرادها، وبما يفوق أحلامه. والأهم انه لا يزال ينتقل من نجاح الى نجاح. ولا يزال ماهراً في الالتفاف على تداعيات ما يرتكبه بشطارة أتباعه.
ومع الارتفاع الجنوني المفتعل لسعر صرف الدولار، سينزلق ملف جريمة تفجير المرفأ الى أدراج النسيان، ومعه جرائم الإغتيالات. وسوف تُشَلّ اندفاعة البطريرك بإتجاه مؤتمر دولي لوقف انهيار الدولة وتحريرها. وتتكرس الأولويات الكارثية التي يفترض أن تقلب صفحة ما قبلها.
وهنا يكمن الخوف من توجيه الحراك، الذي لم يعد يمكن لجمه، الى حيث يستفيد المحور وحيث يستطيع دس أجندات لا نعلم إلى أين ستقود.
فالظاهر أننا لا نزال نعيش مرحلة التأسيس للخراب بانتظار إنضاج طبخة مؤتمر تأسيسي ما.. ما لم نتجاوز ما هو أكثر من كسر حاجز الخوف باتجاه تفعيل شعار “كلن يعني كلن” سواء للقضاء على جبهة المنظومة المحمية بالمحور وأتباعه، أو لجهة تفعيل جهود الحراك لتصير قادرة على التغيير الجذري.
فنجاح بغداد او بيروت في تحويل بروفة الفرح والأمل الى واقع مستقبلي سينعكس على تمدد المحور، أما الفشل فسوف يبدد إيقاع “هلا بابا” لمصلحة الآتي الأعظم..