IMLebanon

أبعد من زيارة البابا للعراق

 

أضاف وباء كورونا (كوفيد-19) الذي أودى حتى الآن بحياة الملايين من الناس في القارات الخمس، تحدياً جديداً الى التحديات الثلاث الكبرى التي تواجهها الإنسانية. وهذه التحديات هي:

 

{ الحرب النووية

 

{ التغيير المناخي

 

{ الذكاء الاصطناعي

 

لا تستطيع أي دولة ان تبني جداراً يعصمها من آثار وتداعيات الانفجار النووي إذا وقع، وفي أي مكان يقع. أو أن يحميها من أخطار التغيير المناخي الذي بدأ يطرق الأبواب وخاصة أبواب الدول الشاطئية نتيجة ارتفاع منسوب مياه البحار. أو يصونها من التطور المتسارع للذكاء الاصطناعي الذي يسابق الزمن في إعادة صناعة المجتمعات الانسانية، خاصة من حيث عمليات التجسس والمراقبة عبر الاقمار الاصطناعية التي تطوف فوق رؤوسنا في الفضاء.

 

لم تنجح أي دولة رغم ترساناتها العكسرية والعلمية الضخمة والمتطورة في بناء جدار يصدّ عنها تسلّل فيروس لا يُرى بالعين المجرّدة، شلّ حركتها، ولوى ذراع اقتصادها، وعطّل مدارسها وجامعاتها، وأقفل أسواقها وملاهيها. وقلبَ أسلوب حياتها رأساً على عقب.

 

أثبتت الوقائع ان سلامة انسان واحد هي من سلامة الناس جميعاً. فالعدوى لا تقف عند حدود خاصة بعد ان تلاشت الحدود العامة بفضل التداخل العميق بين شعوب العالم، وبسبب اختصار المسافات بينها الى حدّ الإلغاء.

 

ما كانت الأسرة الانسانية متداخلة كما هي اليوم. حتى بات يصحّ فيها القول (استعارةً من قول النبي محمد عليه الصلاة والسلام) انه إذا اشتكى منها شعب تداعت له سائر شعوب العالم بالحمى والسهر.. من ووهان في الصين الى دبي في الإمارات، ومن نيويورك ولوس انجلوس في أميركا، الى لندن وباريس ومدريد وروما وبرلين في أوروبة، ومن أدغال الأمازون في البرازيل، الى أعماق صحراء مالي في افريقيا.. ومن جزر القمر الى جزر هاواي، ومن كيبتاون الى استوكهولم وكوبنهاغن.. الفيروس واحد. والانسانية واحدة. وكذلك الوقاية  والعلاج.

 

صنعت التقنيات الالكترونية الحديثة جاسوسية من دون جواسيس. ما عادت هناك حاجة لجيمس بوند ومغامراته. يكفي الضغط على أزرار صغيرة على حاسوب الكتروني متخصص لاقتحام أقدس الملفات السرية في وزارات الدفاع أو المالية للدولة المستهدفة، وربما حتى اختراق اللوحة السرّية جداً والخاصة جداً بالمفاتيح السرية التي تحملها الحقيبة النووية لرئيس هذه الدولة الكبرى أو تلك.

 

سقطت دبلوماسية «الجدران المرتفعة» حول الحدود الوطنية. أو انها على الأقل لم تثبت أي فعالية أو جدوى. وأثبتت سياسة الإنغلاق على الذات والانكفاء عن القضايا الانسانية انها مجرد وهم أو حلم «ليلة صيف». فالعالم كله انتقل في تكوينه الواقعي من حالة «القلاع المتحاربة» الى القرية المنفتحة.. ولكن غير المتسامحة. وهنا المشكلة. من هنا تبرز أهمية وثيقة الأخوّة الانسانية التي صدرت في ابو ظبي عن بابا الفاتيكان فرنسيس وإمام الأزهر الشريف الشيخ أحمد الطيب. ليس في بعديْها الاسلامي والمسيحي فقط، انما في بُعدها الانساني في الدرجة الأولى. ولعلها أول وثيقة تصدر عن مرجعيتين دينيتين تتجاوز الإنتماء الديني الى الإنتماء الانساني الأوسع واللامحدود.

 

فالوثيقة تعاملت مع الإنسانية كوحدة أو كأسرة واحدة : المصيبة واحدة والسلامة مشتركة.

 

تواجه هذه الأسرة مشاكل متداخلة ومعقدة. في مقدمة هذه المشاكل عدم التصدي لهذه المشاكل معاً وتبادل قذف الاتهامات بالمسؤولية على الآخر. حددت الوثيقة هذه المشاكل. وحددت أسس التصدي لها معاً، فبرزت كظاهرة إيجابية وسط الظواهر السلبية المتداخلة التي تهدد المصالح الإنسانية المشتركة.

 

حمل البابا فرنسيس نداء الأخوة الى العراق، فكانت جولته التي أعادت ترميم جسور الأخوة الانسانية بين مسلمي العراق ومسيحييه. صلى في الكنيسة التي دمّرها الداعشيون الذين وصفهم الأزهر بأنهم عصاة على الاسلام وليسوا منه في شيء.  وأعادت هذه الصلاة البابوية الى الذاكرة وصية رسول الله محمد عليه السلام باحترام الكنائس والأديرة وأهلها وتحريم استعمال اي حجر منها في بناء للمسلمين حفاظاً عليها لأنها من بيوت الله.

 

يردّد أهل الأديان المختلفة في العراق كما في العالم كله مقولة واحدة وهي : «ان الدين من أجل الانسان، وليس الانسان من أجل الدين».

 

البابا فرنسيس ترجَمَ ذلك عملياً في جولاته: من القاهرة (الأزهر) الى أبو ظبي، ومن المغرب الى العراق. وقبل ذلك الى الأردن والقدس، ليس لترميم ما تهدّم من صروح العلاقات الاسلامية المسيحية فقط، إنما ليبني صرح الأخوّة الانسانية مفتاحاً لسلام العالم كله.