IMLebanon

كنيسة البابا فرنسيس في قلب الثورة

 

“كنيسة غير قريبة من الناس ليست كنيسة بل منظمة غير حكومية”، بهذه الكلمات يختصر رأس الكنيسة الكاثوليكية في العالم الجوهر الرّوحي والوجودي لدور الكنيسة في المجتمعات كافّة. ولا يُخفى على أيّ مُطّلع أنّه منذ تنصيب قداسة الحبر الأعظم البابا فرنسيس في روما، أولى قداسته اهتماماً بالغاً في توجيه الرسالة المسيحية نحو مساندة الشعوب الأكثر حاجة للاحتضان، مُحدثاً ثورة صادمة في سعيه المباشر الى جعل الهيكل الكهنوتي الكاثوليكي أقرب إلى أتباعه من حول العالم، حيثُ تخلّى عن كلّ مظاهر الثّراء التي كانت تُحيط “بابا روما”.

 

لم يتردّد البابا فرنسيس في ملاقاة الشعب اللبناني المنتفض بوجه منظومة الفساد والرازح تحت ويلات الفقر والبطالة ووباء التفكّك الاجتماعي والطائفي، حينما ناداه مؤكداً أنّ اللبنانيين بفكره وخاصّةً الشباب الذين أسمعوا صرختهم أمام التحديات والمشاكل الاجتماعية والأخلاقية والاقتصادية.

 

نداء البابا الذي أكّد خلاله أنّ حرّية التعبير حقّ أساسي شرط عدم تعرّضها لمعتقدات الآخرين، يتلاقى مع تشديده الدّائم على وجوب التّمسّك بالحرّية كون هذه الأخيرة لا تقتل الأحلام، ومن دونها لا يمكن بلوغ درجة القداسة. وبالتّالي إنَّ تقديس الكنيسة الكاثوليكيّة لحرّية التّعبير عن الرأي وتحديداً إن كانت صادرة عن مُحتاجٍ أو مشرّد أو مريض أو من يجد نفسه غريباً في بيئته ووطنه، كان دافعاً كبيراً لمشاركة حلقة واسعة من الاكليروس المنضوي في صلب الكنيسة المارونية في لبنان، ولو أتى تحرّكهم فردياً في الشكل أمام الموقف الخجول في موقف كنيستهم.

 

إنَّ استحضار تعاليم الكنيسة وتوجّهات البابا فرنسيس، باتَ ضرورياً، خصوصاً أنَّ ثورة الشعب اللبناني قد حطّت رحالها في قلب المدارس اللبنانية، حيثُ أتى موقف بعض إدارات المدارس الكاثوليكية متفاوتاً في الشكل والمضمون لناحية التّعامل مع طلّابهم. وهنا يُذكر أنَّ موقف الأمين العام لهذه المدارس في لبنان الأب بطرس عازار قد كان موزوناً ولافتاً لناحية التّشديد على حقّ التلاميذ في حرية التعبير عن آرائهم وفق المادة 13 من الدستور اللبناني وتأكيده على أحقيّة المطالب الشعبية كما طلبه من الإدارات التّعامل بعقلانيّة مع أبنائهم الطلاب ووجوب حماية وتشجيع حسّ المشاركة المجتمعية لديهم.

 

لكن ما يطرح العديد من التساؤلات هو وقوف العديد من رجال الكنيسة خصوصاً من هم على احتكاك مع الناس، موقف المتفرّج، في الوقت الذي يُفترض بهم تصدّر ساحات الاعتصامات ومجالسة أبناء رعاياهم وتأييدهم في صرخاتهم، وعدم الاكتفاء بالتبشير الواعظ، لأنّه زمن النزول عن المنابر، إنّه زمن الوقوف مع الفقراء والمحتاجين والشعب المتألم ومواجهة كلّ مَن يُفسد وينهب ويقفز فوق جراح الناس، وهنا لا بُدَّ من تذكير البعض بكلام البابا فرنسيس للكهنة والأساقفة والكرادلة الذين يعملون في الإدارة المركزية للكنيسة الكاثوليكية بعد عامٍ من تنصيبه: “إن الوصولية وتدبير المكائد والجشع أصابكم بمرض الزهايمر الروحي، إنّه زمن التّطهير الكنسي”.