Site icon IMLebanon

لبنان ما بين زيارتين ومرحلتين

 

سيشهد الشرق الاوسط زيارتين فائقتي الأهمية في شهر حزيران المقبل. ففي النصف الاول من حزيران سيزور رأس الكنيسة الكاثوليكية البابا فرنسيس لبنان، في زيارة حُدّدت بعد الكثير من الجدل والمشاورات حول توقيتها. فخلال المرحلة الماضية أكثر البابا فرنسيس من ذكره للبنان في مواقفه الرسمية، وهو ما يعكس الاهتمام الخاص الذي أولاه للملف اللبناني.

السياسة الخارجية الصامتة للفاتيكان والاهتمام الفاتيكاني، ينطلقان من القلق الكبير الموجود لديه نتيجة المآسي التي يعيشها لبنان والتي باتت تهدّد جدّياً وجوده ومستقبل ابنائه.

 

الأوساط الديبلوماسية المعنية كانت قد اشارت إلى طرح البابا فرنسيس خطورة الملف اللبناني مع كبار زواره المؤثرين في الوضع اللبناني، مثل الرئيسين الاميركي والفرنسي، إضافة إلى كبار المسؤولين الالمان. وفي الاطار نفسه، أوفد وزير خارجيّته الى لبنان واستقبل من بعدها الرئيس اللبناني.

 

وقيل انّ رأس الكنيسة الكاثوليكية نال وعداً من الرئيس الاميركي الكاثوليكي بألّا يكون لبنان ضحية التسويات والتحولات التي يشهدها الشرق الاوسط.

 

وخلال رحلة عودته من زيارته للعراق، جدّد يومها البابا فرنسيس نيته بزيارة لبنان قريباً، من دون تحديد أي موعد زمني. وزيارته المقرّرة في 12 حزيران المقبل، تأتي بعد الانتهاء من الانتخابات النيابية المثيرة للجدل، وقبل شروع فرنسا في بدء مبادرتها الجديدة، والتي تحمل عنوان إجراء تسوية سياسية للأزمة اللبنانية، لكي تشكّل مدخلاً لمرحلة إعادة تثبيت الاستقرار وبناء مؤسسات الدولة التي تفكّكت، على ان يجري انتخاب رئيس جديد للجمهورية ما سيشكّل بداية المرحلة الجديدة.

 

وبالتالي، فإنّ زيارة البابا فرنسيس جرى توقيتها ما بين الانتخابات النيابية والرئاسية، وقبيل انطلاق المبادرة الفرنسية. ويصح القول ايضاً، انّ الزيارة البابوية هي ما بين انتهاء مرحلة الانهيارات والتحضير لمرحلة استعادة الاستقرار وبناء الدولة من جديد.

 

والزيارة المهمّة الثانية هي للرئيس الاميركي جو بايدن الى المنطقة والجاري التحضير لها على ان تحصل في النصف الثاني من شهر حزيران.

 

ومنذ وصول جو بايدن الى البيت الابيض ظهرت برودة واضحة في العلاقة ما بين واشنطن وبعض حلفائها الخليجيين والعرب، في موازاة تركيز الإدارة الاميركية على إعادة إحياء الاتفاق النووي مع ايران.

 

ومع تقدّم الوقت بدا واضحاً شروع البيت الابيض في تنفيذ انسحاب اميركي جزئي من ساحات الشرق الاوسط، ولو بشكل متدرج، في إطار تركيز استراتيجية جديدة تقوم على احتواء الصعود الصيني على الساحة الدولية. ومعه بدا انّ الشرق الاوسط ذاهب لاصطفاف ثلاثي جديد. واحد يقوم على تحالف عربي – اسرائيلي ركيزته ما بات يُعرف بـ”اتفاقية ابراهيم”. وتتولّى فيه اسرائيل دور ملء الفراغ الاميركي ومهمّة مواجهة ايران. ومحور ثانٍ بقيادة ايران، وله امتداداته ونفوذه في الخليج من خلال اليمن وفي العراق، حيث خطوط التماس مع المحور العربي – الخليجي.

 

ومحور ثالث بقيادة تركيا وامتداداتها المخفية عبر تنظيم “الاخوان المسلمين”.

 

ومن المفترض ان تأتي زيارة بايدن الى اسرائيل، والتي سيمكث فيها نحو 36 ساعة، في إطار استكمال قمة النقب، والتي شكّلت نواة المحور الاسرائيلي ـ العربي الجديد.

 

وبهذا المعنى، ستكون زيارة ترامب بمثابة مباركة اميركية والتزام بحلفائها رغم الانسحاب الاميركي الجزئي المزمع من المنطقة.

 

ولكن الخطير في قمة النقب تغييب الحضور الفلسطيني، او بما معناه إسقاط حل الدولتين الذي تتبنّاه الإدارة الاميركية، وهو ما يعني ضمناً التصفية النهائية للقضية الفلسطينية. ولهذا الامر تداعياته الهائلة على كامل المنطقة وخصوصاً على لبنان.

 

صحيح انّ العنف عاد وظهر بين الفلسطينيين والاسرائيليين على خلفية اقتحام الاقصى وبالتزامن مع شهر رمضان وعيد الفصح اليهودي، الّا أنّ ثمة بعداً آخر لا يمكن تجاهله، ويتعلق بوجود نوايا بشطب الفلسطينيين نهائياً عن خارطة الوجود السياسي.

 

في البداية استبعد المسؤولون الأمنيون الاسرائيليون ان تكون العمليات الفلسطينية منظّمة، لكن لاحقاً بدأ الحديث عن انّ العمليات الفلسطينية ستستمر لفترة طويلة.

 

هذه العمليات التي هدّدت استمرار الائتلاف الحكومي الهش، والذي اضعف شعبية الحكومة المكبّلة والعاجزة عن أي عمل انتقامي او معالجة أمنية، تتزامن مع الجمود الذي يصيب المفاوضات النووية، ومع التحضير لزيارة الرئيس الاميركي التي من المفترض ان تكرّس نواة المعادلة الاقليمية الجديدة.

 

في العام 1993 حصلت اجواء مشابهة من خلال عمليات فلسطينية واكبت اتفاقية اوسلو، وعمد في المقابل بنيامين نتنياهو الى تجييش اليمين الاسرائيلي المتطرف، ما سمح بوصوله لاحقاً الى رئاسة الحكومة، ولكن بعد اغتيال اسحق رابين، عرّاب التسويات السلمية في اوسلو ووادي عربة. وبالتالي، هل العمليات التي تحصل والمرشح لها ان تستمر، مقصود بها إجهاض القمة الاقليمية المقترحة خلال وجود بايدن في اسرائيل؟

 

ذلك انّ الحكومة الاسرائيلية اقترحت ان يحضر بايدن قمة اسرائيلية – عربية تضمّ الأطراف الذين شاركوا في قمة النقب، مع إصرار اسرائيلي على رفض مشاركة الفلسطينيين.

 

وتعمل اسرائيل على استغلال “الحشرة” الاميركية، من جهة بسبب الجمود الذي يحيط بمفاوضاتها حول الملف النووي الايراني، ومن جهة ثانية بسبب الحرب في اوكرانيا، ومن جهة ثالثة وهو الاهم، بسبب تنامي النفوذ الصيني والروسي في الشرق الاوسط.

 

صحيح انّ الهيبة الروسية اهتزت بعض الشيء بسبب تعثر حملتها العسكرية في اوكرانيا، الّا أنّ الصين تعمل على التسلّل برشاقة داخل الشرق الاوسط، وهي اكبر مستهلك للنفط في العالم، وتستورد نفطها بشكل رئيسي من السعودية وايران.

 

وفي استطلاع أجراه “معهد واشنطن” في آذار الماضي، تبين انّ نصف شعوب الكويت والسعودية والامارات ترى في واشنطن شريكاً غير موثوق به في الشؤون العالمية، إضافة الى اعتبارها انّ علاقات حكوماتها مع روسيا تساوي أهمية علاقاتها مع واشنطن.

 

ووجد 57% من الإماراتيين و 55% من السعوديين و53% من الكويتيين، بأنّ لا بد من التطلع الى روسيا والصين، طالما لا يمكن الاعتماد على الاميركيين وحدهم في هذه الايام.

 

وفي الاستطلاع نفسه، تنظر غالبية المصريين الى روسيا والولايات المتحدة كشريكين يتمتعان بالأهمية نفسها، بخلاف غالبية الاردنيين الذين يعتقدون بالحفاظ على أولوية العلاقة مع الاميركيين، مع مفارقة انّ 10 بالمئة فقط من الاردنيين لديهم نظرة ايجابية حيال “اتفاقيات ابراهيم” او يعتقدون بوجوب إقامة علاقات تجارية مع اسرائيل.

 

وفي الاستطلاع ايضاً، تأييد نصف الشيعة في لبنان للغزو العسكري الروسي لأوكرانيا.

 

كل ذلك يحتّم على واشنطن الإسراع في إعادة ترتيب وتركيز صورة المنطقة، وهو ما يعطي المعنى السياسي والأهمية لزيارة البابا فرنسيس الى لبنان، الذي من المفترض ان يكون يتحضّر لإغلاق مرحلة الفوضى والانهيارات، قبل الانطلاق باتجاه مرحلة اخرى عنوانها الاستقرار وإعادة البناء، الّا اذا ما طرأ ما ليس في الحسبان، فنحن يجب ان نتذكر دائماً بأننا في الشرق الاوسط، أرض المفاجآت.