استقالة الرئيس سعد الحريري ٢٠١٩ كانت هدية ثمينة لحالة افتراضية تلاشت مع اعادة تكوين السلطة عبر الحكومة الهجينة، التي سقطت ليس بفعل الثوار بل نتيجة انفجار مرفأ بيروت الاكبر في العالم بعد هيروشيما وناكازاكي ٤ آب ٢٠٢٠، والذي تسبب باضطراب وتصدع سياسي لا زال يتحكم بالواقع السلطوي اللبناني، اعيد تكليف الرئيس الحريري رغم وجود اعتراضات مريبة حيث اصبح اعداء الأمس حلفاء اليوم فقط من اجل عدم السماح بتشكيل حكومة جديدة بانتظار ما ستؤول اليه التحولات العميقة التي تجتاح البشرية بعد تداعيات كورونا الانسانية والاقتصادية وسقوط هيبة الدول امام مواطنيها ومآلات التنافسية الجديدة بين الغرب والصين، بالاضافة الى تحولات واضطرابات المنطقة نتيجة عدم وجود قوة قادرة على رفع انقاض وتراكمات مئة عام من الفوضى والنزاع، بالاضافة الى تفكك مجتمعات الربيع الاسود حيث يعيش الملايين من عرب المشرق في خيم التشرد والنزوح مع ما تحمله هذه العبارة من مآسٍ وجرائم وانتهاكات واغتصابات انسانية بحق الاطفال والنساء.
جاءت اجتماعات قداسة البابا مع البطاركة المشرقيين في روما الاول من تموز ٢٠٢١ بالتزامن مع اجتماعات وزراء خارجية التحالف ضد داعش ووزراء خارجية الدول العشرين وبعد صلاة قداسة البابا مع البطاركة المسيحيين المشرقيين من اجل لبنان، جاء اجتماع وزراء خارجية اميركا وفرنسا والسعودية حول لبنان في ظل تكون ارادة دولية قوية ضاغطة من اجل تكوين سلطة وطنية لبنانية قادرة على مواكبة التحولات والحفاظ على ما تبقى من اسباب الدولة والتماسك الاجتماعي الوطني، واعتذر الرئيس الحريري وتكلف الرئيس ميقاتي والذي جزم حين قال انه تكلف ليؤلف.
عشية الاول من كانون الاول ٢٠٢١ استقبل قداسة البابا الرئيس ميقاتي واستقبل في اليوم التالي الرئيس الفرنسي ماكرون، مما يجدد التأكيد على ان ما تم الاتفاق عليه في الاول من تموز ٢٠٢١ في روما لا يزال ساري المفعول في واحد كانون الاول ٢٠٢١، وان لبنان رغم كل المعوقات والتعارضات والمقاطعات لا يزال تحت الرعاية والرقابة من قداسة البابا وفرنسا ومعهم توافق اميركي اميركي حول استقرار لبنان، عكس ما يروج له البعض بان لبنان اصبح احدى ساحات الانتخابات النصفية الاميركية وذلك غير صحيح لأن اميركا الدولة تعرف خطورة عدم وجود سلطة وطنية في لبنان الذي يحتضن كل ما تبقى من قوى الحرب والسلام والنزاع والانتظام والثورة والديموقراطية والاستبداد منذ مئة عام، ولبنان كان ولا يزال مرآة كل التحولات الفكرية والسياسية والثقافية والفلسفية التي ترسم مستقبل المجتمعات العربية المشرقية.
قال قداسة البابا يوم الخميس من قبرص (عندما افكر في لبنان اشعر بقلق شديد وبمعاناة شعب لبنان الممتحن بالعنف والالم)، وكأني بقداسته يقول الى دولة الرئيس ميقاتي الفشل ممنوع، والاستقالة ممنوعة، تهيب ازمات واوجاع الناس ضرورة مطلقة مع عدم تبسيط الامور المعقدة ، واللبنانيين الذين صمتوا على نهب ودائعهم وجنى عمرهم لا يمكن اعتبارهم مجموعة من الجياع يبحثون عن سلة غذاء وهذا امر مرفوض ومن حقهم معرفة ما كان وما سيكون، وايضا اعطاء فرص جديدة لصناع الفشل خطيئة، وان العودة الى الوراء اصبحت عملية مستحيلة في لبنان والمنطقة والعالم، وان صناعة المستقبل كما تقول الكاتبة الناشئة (ليليا شاهين) تحتاج الى شجاعة التقدم نحو الامام بما هو قدر انساني ووجودي وليس خيار من الخيارات، ومع صلاة قداسة البابا من اجل لبنان نقول الى دولة الرئيس نجيب ميقاتي (الفشل ممنوع).