والبطريرك الراعي سيتابع نتائجها داخلياً وروحياً ومدنياً وسياسياً
يوم استثنائي تاريخي شهدته حاضرة الفاتيكان في الاول من تموز الحالي خصص للبنان ومنه وعبره الى العالم كله، وهذا الامر ليس غريبا على هذه الدولة التي احتضنت قضية الشعب اللبناني المعذب خلال سنوات الحرب العصيبة، وهي خصصت ارشادين رسوليين وزيارتيين بابويتين تاريخيتين للبنان،الاولى للبابايوحنا بولس الثاني في ايار 1997ونشر خلالها الارشاد الرسولي الاول «رجاء من اجل لبنان»، والزيارة الثانية كانت للبابا بنديكتوس السادس عشر في ايلول 2012 ووقع خلالها الارشاد الثاني تحت شعار «شركة شهادة»، وها هو البابا فرنسيس يبدي مجددا اهتماما بالغا بلبنان وشعبه من خلال جمعه لرؤساء عشرة طوائف مسيحية وخصص يوم الصلاة من اجل لبنانبدافع القلق الشديد عليه كما قال، وهو وجه كلاما مباشرا الى السياسيين لوضع انفسهم في خدمة السلام لا مصالحهم الخاصة، وناشدهم لايجاد الحلول العاجلة، كما طالب المجتمع الدولي بمساعدة لبنان من خلال توفير الظروف كي لا يغرق.
وفي هذا الاطار سألت «اللواء» مطران ابرشية طرابلس للموارنة يوسف سويف عن رايه بمبادرة البابا فرنسيس فقال: «العنوان الاساسي للرسالة الختامية ليوم لبنان في روما ومضمونها يدل على اهمية هذه المبادرة والتضامن مع لبنان والذي يعيشه البابا والفاتيكان وهو يدعو الى السلام لان لبنان هو واحة للسلام وليس للصراع».
ويضيف المطران سويف: « البابا توجه الى السياسيين بشكل مباشر، وحملهم مسؤولية بالقول إن إدارة الشأن العام ليست للمصلحة الخاصة، بل لخير الانسان وكرامته والتي تدار بالحوكمة السليمة والشفافية، وليس بالحوكمة السيئة والمصالح الضيقة والتي ادت الى انهيار البلد المالي والاقتصادي والسياسي وقد يصل هذا الامر الى انهيار امني».
ويشكر المطران رأس الكنيسة على مبادرته فـ «البابا يعلم واقع لبنان المتألم ويشعر مع المواطنين»، ويشدد على اهمية استثمار ما قام به البابا من الناحية الروحية والمعنوية لاعادة تجديد الايمان بلبنان، والرجاء بالله وبرسالة وطننا، وان نستطيع تمييّز الامور وان يكون لدينا الفكر النقضي والحكم السليم.
ودعا المطران سويف السياسيين ان يتحملوا مسؤولياتهم امام غياب الحاجات الاساسية اليومية التي اصبح المواطن اللبناني محروم من وجود ادنى مقومات الحياة، ويقول: «اشاهد يوميا مأساة المواطنين في مدينة طرابلس الجريحة، خصوصا ان كل الامور انهارت وليس لدينا سوى الامل والرجاء وعدم السماح بانهيار البلد».
وحول تأثير ما قاله البابا فرنسيس على المجتمع الدولي لمساعدة لبنان يؤكد المطران سويف تأثر المجتمع بما فعله البابا تجاه لبنان، خصوصا انه حرك العالم كله حول القضية اللبنانية، لا سيما ان سفراء دول العالم في الفاتيكان يتابعون الامر عن قرب، ولكن هناك الية ديبلوماسية روحية اجتماعية اعلامية يجب اتباعها لكي نقول للعالم كله بضرورة عدم ترك لبنان يغرق في الظلمة والصراع السياسي.
ويقول سويف:» في القراءة الواقعية للامور يجب ان يكون هناك تلاقي بين ديناميتين، الاولى والتي انطلقت من الفاتيكان والتي ستحرك القضية اللبنانية على المستوى الدولي والديبلوماسي والمجتمع الدولي، ولكن اذا لم تتلاقى مع الدينامية الثانية اي الداخلية اعني فيها المجتمعية من الكنائس والاديان والمجتمع المدني والحركة الاجتماعية، لا نكون وصلنا الى اي نتيجة، فدائما يجب ان يكون هناك تلاقي لانه لا يمكننا الطلب من العالم المساعدة ونحن لا نقوم بأي مبادرة لانقاذ انفسنا».
ويتمنى مطران طرابلس ان يكون يوم لبنان في الفاتيكان حرك الدول و المجتمع المدني وضمائر المسؤولين، مشيرا الى انه علينا العودة الى الله وقيم السلام والعدالة للخير العام وان نعرف ان نصوب على خياراتنا الحرة والسليمة واختيار الاشخاص الذين لديهم معرفة لادارة الشأن العام والا نكون لا نزال في مكاننا، ويختم بالتأكيد على ان البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي سيتابع داخليا وروحيا ومدنيا وسياسيا مع الجميع نتائج ما حصل في الفاتيكان، لا سيما انه وفي جميع عظاته يتحدث بشكل واضح عن كل المشاكل المطلوب ان يتحمل كل مسؤول مسؤوليته لحلها.
ad
الصائغ: مشهدية عميقة وكثيفة الرموز
اما المدير التنفيذي لـ«ملتقى التأثير المدني» زياد الصائغ فاستهل كلامه «للواء» عن يوم لبنان في الفاتيكان بالقول:» كانت المشهدية في الفاتيكان في الاول من تموز كثيفة الرمزية، وكلام البابا فرنسيس صيرورة تاريخية في التنكب النبيل الاخلاقي لانقاذ لبنان الرسالة، بكلام سلام لا بلوى. هناك حينها دخلت القضية اللبنانية منعطفا حاسما».
ويضيف الصائغ:» هذه المشهدية مع مقاربة البابا فرنسيس العميقة في استرحام الله عن هفوات القيادات الكنسية، وتأنيب الجماعة السياسية، وتثبيت رجاء الشعب اللبناني، وتحفيز المجتمع الدولي لانقاذ وطن الرسالة، كلاهما يعيدان تشكيل القضية اللبنانية من بوابة كيانها الحضاري، حيث فيها لبنان إشعاع سلام وشعبه المقيم والمغترب شاهد ابداع،ورقي وفي اعادة التشكيل هذه اعلان نور في وجه الظلمة والظلاميّين».ويستطرد الصائغ: «ليس الاول من تموز سوى تتويج لعمل تراكمي يقوم به الفاتيكان مع خيرين وطنيين أنقياء من لبنان بصمت وهيبة، عمل تركمي بدأ منذ حوالي 14 شهرا، رُفع فيه الخطر بعد تشخيص دقيق الى مثابة تحذير من تغيير الهوية، والإطباق على الحضور والدور في الحرية وحقوق الانسان، والديموقراطية، والمواطنة الحاضنة للتنوع، وهذا التتويج بداية لمسارٍ وطني- عربي -دولي لتحرير الشعب اللبناني من الجريمة المنظمة التي يتعرض لها «.
واذ يربأ الصائغ اعتبار بين « حركة الفاتيكان الروحية -الديبلوماسية خوفا على المسيحيين، وعلى عكس ما سوق البعض لاهداف جاهلة او خبيثة على حد سواء، يُذّكر بأن» الكرسي الرسولي يثمن لبنان بصيغة العيش الواحد فيه، وطالما حذر من مشاريع انتحارية احترفها بعض المسيحيين، وبعض المسلمين، كحلف الاقليات ومنزلقات التفتيت، وبالتالي ما كان في الاول من تموز رسالة وطنية برمزية مسكونيه المسيحية، والاتي من الايام يحمل متابعات جامعة، ليس على مستوى المنظومة حتما بل على مستوى المجتمعية الحية».
واذ يؤكد الصائغ على ان «من يستهين ما يقوم به الفاتيكان من باب انه هادىء وصامت، وقائم في مربع التمني والنصح، هو بعيد عن فهم حقيقة الديبلوماسية الرسولية، التي تعالج مسببات الازمات لا عوارضها، ومن هنا من الملح تذكر ما قاله امين سر الدولة الكاردينال بيترو بارولين للشعب اللبناني في زيارته موفدا من البابا فرنسيس بعد تفجير مرفأ بيروت، وذلك في ايلول الفائت ان :(لا تخافوا لستم وحدكم، اصمدوا وسنعمل مع كل اصدقائنا في العالم الحر على انقاذ لبنان)، وفي هذا الاعلان الصارخ رؤية وقرار بلا مهادنة مع من صادروا هوية لبنان وانقلبوا على ثوابته التاريخي».
ويختم الصائغ: «الصمود والنضال والمثابرة، وليس من ظلمة الا والنور قاهرها لبنان بعناية فاتيكانية مباركة سينتصر».