فيما كان اللبنانيون ينتظرون زيارة البابا فرنسيس للبنان في حزيران المقبل، لما تشكّله من بارقة أمل ودعم معنوي كبير لهذا البلد الغارق في أزمة غير مسبوقة، وذلك بعد أقل من شهر على الانتخابات النيابية، أدّى الوضع الصحي للحبر الأعظم الى تأجيل الزيارة الى موعدٍ لم يُحدّد بعد، ومن المُرجح ألّا يُحدّد الآن، بحسب مصادر مطّلعة، كذلك قد لا تحصل قبل أيلول المقبل، انطلاقاً من اعتبارات وعوامل فاتيكانية ولبنانية عدة.
تبلّغ لبنان رسمياً قرار إرجاء زيارة الحبر الاعظم التي كانت مُقرّرة في 12 و13 حزيران المقبل، عبر رسالة من دوائر الفاتيكان، على أن يُعلن الموعد الجديد لهذه الزيارة فور تحديده. وأشار رئيس لجنة الإعداد للزيارة وزير السياحة وليد نصار، الى أن تمّ تأجيل الزيارات الخارجية والمواعيد المقرّرة في برنامج قداسة البابا فرنسيس لأسبابٍ صحية.
وفي حين لم يصدر أي إعلان رسمي من الفاتيكان حول تأجيل الزيارة، أبلغ مدير دار الصحافة في الكرسي الرسولي ماتيو بروني الى الصحافيين المعتمدين لدى الفاتيكان، أنّ التأجيل كان لأسبابٍ صحية فقط، علماً أنّ الحبر الأعظم يعاني منذ أسابيع عدة ألماً في الركبة والتهاباً في الورك.
لكن هل من أسبابٍ وأبعادٍ أخرى لتأجيل الزيارة التي لم يعلن الكرسي الرسولي عنها فيما أُعلن عنها من بيروت؟
معلوم أنّ التحضيرات للزيارة كانت قائمة، وزار وفد من الفاتيكان بيروت قبل أسبوع للإعداد لها، لكن الفاتيكان لم يعلن عنها رسمياً، وكان هناك عدم رضا فاتيكاني عن الإعلان عنها من بيروت، بحسب مصادر مطّلعة. وفي حين أنّ السبب الأساس والفعلي لتأجيل الزيارة صحي، حيث أنّ قداسة البابا سيخضع لجراحة تتطلّب منه عدم التحرّك جسدياً، وتليها فترة راحة طويلة الى حدٍ ما، وبالتالي لا يُمكنه زيارة أي بلد على كرسي متحرّك، لكن كان هناك تسرُّع في إعلان موعد الزيارة من لبنان، بحسب المصادر نفسها، علماً أنّ السفير البابوي في بيروت زار رئيس الجمهورية وسلّمه كتاباً خطياً بهذا الخصوص.
وإلى السبب الصحي، من الوارد أيضاً أن تكون تمّت إعادة تقييم لموعد الزيارة، لجهة إن كان توقيتها مناسباً أم لا، وقد تكون هناك وجهات نظر مختلفة حول هذا الموضوع، في الفاتيكان. ففي حين أنّ الأكيد أنّ البابا يرغب في زيارة لبنان، لكن الى أي مدى كانت الزيارة أولوية على رغم وضعه الصحي؟
وإذ انطلقت التحليلات والتفسيرات لتأجيل الزيارة البابوية، تماماً كما استُثمر في الإعلان عنها في حينه، وبدأ يُقرأ التأجيل على أنّه «رسالة سياسية»، تجزم المصادر المطّلّعة في أنّ اعتبارات التأجيل فاتيكانية بالدرجة الأولى. وتشير الى أنّ الزيارة كان يُفترض أن تحصل مباشرةً بعد إنجاز استحقاق الانتخابات النيابية، ولكن من غير المعروف كيف سيكون الوضع في لبنان في حال جرت في حينها، وهل تحصل في ظلّ حكومة جديدة أم حكومة تصريف أعمال. وبالتالي، من هذه الزاوية، تحتمل الزيارة بعض التأجيل.
كذلك هناك تنوُّع في وجهات النظر في الفاتيكان حيال موعد الزيارة. ومن العوامل والاعتبارات التي أدّت الى تأجيلها، أنّه كان مقرّراً أن يزور الحبر الأعظم القدس بعد بيروت، للقاء بطريرك موسكو كيريل، لكن هذا اللقاء أُلغي بعدما حصل جدل حوله في الفاتيكان، لجهة الجدوى من اجتماع البابا مع البطريرك الروسي، فيما الحرب ما زالت مشتعلة في أوكرانيا. وكان البابا فرنسيس كشف في حديثٍ صحافي، أنّ «فريقنا الديبلوماسي فهم أنّ اجتماعاً كهذا في هذا الوقت قد يؤدي الى كثيرٍ من الارتباك».
في المحصّلة، هناك إرادة أكيدة لدى قداسة البابا لزيارة لبنان، سبق أن عبّر عنها في أكثر من مناسبة. أمّا التوقيت الأنسب لحصولها من كلّ النواحي فيعود الى الفاتيكان، لكن لن يجري تحديد موعدها الآن، بحسب المصادر نفسها. ويبدو أنّ الزيارة أُرجئت الى وقتٍ قد لا يكون قصيراً، إذ انّ على جدول أعمال قداسة البابا زيارتان خارجيتان في تموز المقبل، لجنوب السودان والكونغو، إضافةً الى زيارة لكندا أواخرالشهر نفسه، لم يتبيّن بعد ما إذا كان سيتمّ تأجيلها، علماً أنّ هذه الزيارات مُعلنة رسمياً من الكرسي الرسولي. وبعدها، يحين وقت العطلة السنوية الفاتيكانية في آب، وبالتالي من المُستبعد أن يزور البابا لبنان قبل أيلول، مع الأخذ في الاعتبار الوضع القائم فيه خلال تلك الفترة، وبالتالي هناك عوامل مجهولة أو غير واضحة تؤثر على توقيت هذه الزيارة.
لكن في كلّ الحالات، وسواء حصلت هذه الزيارة في وقتٍ قريب أم لا، فهذا لا يؤثر على موقف الفاتيكان الثابت من الوضع اللبناني، والذي عبّر عنه البابا في أكثر من مناسبة، لجهة دعم لبنان والاستقرار فيه وموضوع الإصلاحات، بحسب المصادر نفسها. وهناك حرص فاتيكاني على لبنان، من جانبين: الأول، داخلي لجهة الأزمات التي يعيشها ومعاناة الناس، والجانب الآخر أنّ الكرسي الرسولي حريص أيضاً على ألاّ يكون لبنان صندوق بريد وساحة للتجاذبات والمتغيّرات في المنطقة، أي إبعاده قدر المستطاع حتى لا يدفع ثمناً ما بسبب أوضاع المنطقة كلّها على المستويين الإقليمي أو الدولي، من اسرائيل الى إيران مروراً بسوريا والخليج وصولاً الى حرب أوكرانيا، فقداسة البابا يشدّد ويعمل انطلاقاً من موقعه وكلمته المؤثرة على تحصين لبنان للحفاظ على الاستقرار والسلم فيه، وهذا الامر هو بند أساسي ودائم على جدول أعمال الحَبر الأعظم والفاتيكان.