Site icon IMLebanon

الصين الشعبية ليست الخيار “الشعبي” في لبنان

 

الأسباب كثيرة وأهمها الاقتصاد “المُدَوْلَر

 

للإقتصاد اللبناني أزمة ذات حدّين. يتمثل الاول بالخلل البنيوي لكون اقتصادنا مبنياً على الريع والخدمات بدلاً من الانتاج، الامر الذي عزّز ثقافة الاستهلاك ومن خلالها تمركز الثروة في أيدي الاقلية على حساب غالبية شرائح المجتمع، بالاضافة الى تحكّم المصارف بالنظام المالي ككل، وهذا ما أدّى حُكماً الى الانعكاسات الجسيمة التي سبّبتها العقوبات الاميركية، ليس فقط على حلفاء إيران في الداخل اللبناني بل أيضاً على الاقتصاد لا سيما القطاع المصرفي الذي شكّل على مدى أعوام العمود الفقري للمنظومة المالية. ولعلّ هذه العقوبات، التي أدّت الى إقفال “جمّال ترست بنك” والتي قد تطاول مصارف أخرى، هي إحدى أخطر أسباب الأزمة المالية والاقتصادية التي أظهرت الانتفاضة الشعبية غير المسبوقة مكامن ضعفها. فالقطاع المصرفي المراقب عن كثب متخوّف من فقدان الثقة وكذلك الخروج من داخل النظام المصرفي العالمي.

 

أما الثاني، فكشف الاصطفاف السياسي لنقاط ضعف هذا الاقتصاد المبني على الصراعات الاقليمية (وما الحرب السورية إلا دليل على ذلك). لقد أدّى هذا الاصطفاف في الواقع الى ضرب السياحة، وضَرَب معها مختلف الاستثمارات الخارجية بالاضافة الى الصادرات اللبنانية الى الاسواق الخليجية. أما الضربة القاضية فكانت في تحويلات المغتربين اللبنانيين الى السوق المحلية والتي كانت الركيزة الاساسية التي كان اقتصادنا يقوم عليها خلال الاعوام السابقة.

 

من هذا المنطلق، ستحكم أي نكسة إضافية على لبنان بالموت الابدي. وإغضاب الولايات المتحدة وحلفائها هذه المرة لن تُحمد عواقبه، لذا فإنّ الاقتصاد اللبناني لا يملك ترف اختيار بديل آخر. وكلّ ما يُشاع عن امكانية التحالف مع الصين في حال فرضت الولايات المتحدة عقوبات على لبنان، ليس إلا كلاماً فارهاً. فالحديث في هذا السياق وخلال هذا التوقيت عن احتمال تحالف مع الصين يعني قطعاً استفزاز أميركا وبالتالي… المزيد من العقوبات.

 

في مقابل ذلك، صحيح أن الصين كانت قد أبدت اهتماماً في الشأن السوري ضمن إطار إعادة إعمار سوريا، ومن هذا المنطلق، يمكن أن تكون قد رغبت، لفترة وجيزة، في تطوير مرفأ طرابلس الحيوي، وتكثّفت الاتصالات والمساعي في هذا المجال قبل أن تعود وتعزف عن رأيها بعدما أدركت أن “السلام” والاستقرار في المنطقة ليسا مضمونَين.

 

من وجهة نظرها، لا تنظر الصين إلى لبنان ككيان مستقل بل من ضمن المنطقة ككل، لا سيما العراق وسوريا والتي يشكّل لبنان امتداداً جغرافيا لهما.

 

وليس بالضروري أن ينعكس التحالف الصيني – الايراني اهتماماً بلبنان، إذ لا يخفى أن الاستثمار الصيني فيه من شأنه الاطاحة بـ”سيدر” ومشاريعه بما أن اهتمامات الصين تصب في مشاريع البنى التحتية وفي ذلك تضارب مع فلسفة “سيدر” كما مع الاوروبيين المتواجدين تاريخياً في لبنان.

 

لا بديل إقتصادياً

 

عن الموضوع يوضح الخبير المالي وليد أبو سليمان أن “اقتصاد لبنان ضعيف ويشوبه خلل بنيوي لدرجة لا تمكّنه من التطلع الى اقتصاد بديل. إنّ اقتصادنا مدولر بما يناهز 75% وإن أردنا نقل اقتصادنا الى الصين سيتوجّب علينا تأمين اليوان الصيني المُسعَّر مقابل الدولار. هكذا نتحول من الاستيراد من الولايات المتحدة وأوروبا الى الاستيراد من الصين، إلا أن المشكلة الهيكلية في تركيبة اقتصادنا والمتمثلة بالاستيراد بنسبة 90% من أي جهة كانت. المطلوب دعم الانتاج بدلاً من الاستهلاك والاستيراد. ولدعم الانتاج المحلي لا بد من التخلي عن ثقافة الاقتصاد الريعي، فالفوائد المرتفعة أدت الى الانكماش الائتماني. وعليه، بات القطاع العام يزاحم القطاع الخاص لناحية القروض الميسّرة. ويضيف: “لا يمكن تشبيه لبنان بأي من الدول المفروض عليها عقوبات. إيران على سبيل المثال بلد منتج ومصدّر للنفط، على عكسنا، الى ذلك فإن نسب الاستهلاك لديها معقولة كما أن لديها اكتفاء ذاتياً، الى حدّ ما. أما اقتصادنا فيفتقر الى المناعة تجاه أي نوع من العقوبات لذا فهو عاجز حتى عن البحث عن اقتصاد بديل”.

 

الصين ليست مهتمّة

 

من جهته، يوضح المحلل السياسي مكرم رباح أن “طرح الصين كبديل اقتصادي ليس الا مهزلة، فكيف لنا أن نتحالف مع نظام ديكتاتوري؟! أما الحديث عن المواجهة مع أميركا فليس الا بدعة اذ لا النظام الروسي ولا الصيني ولا الايراني يمكن أن يكون خشبة خلاص اقتصادنا. يمكن للبنان أن يبني علاقات تجارية مع الصين لكنها لا يمكن أن تصل الى عتبة التحالف. يبدو أن هذا الطرح الذي تطرق اليه الأمين العام لـ “حزب الله” مجرّد مناورة، الهدف منه تبيان أن علاقاته الاقتصادية ليست مقفلة تماماً بعد العقوبات الاميركية. لكن من قال له أصلاً أن الصينيّين قد يوافقون على الاستثمار في سوق كلبنان في ظل وجود سلاح غير شرعي؟ ما يهم الصين الاسواق الاستهلاكية ولو انها اهتمت بلبنان كمنصة لإنشاء شركات تعمل وتساهم في اعادة إعمار سوريا الا أن ذلك لا يجزم اهتمامها في لبنان”.

 

باهظة كانت الاكلاف التي تحمّلها كل الاقتصاد اللبناني جرّاء الصدام الاميركي – الايراني أما خيار الصين الشعبية فسيكون كارثياً على الاقتصاد اللبناني وعلى معيشة مئات آلاف اللبنانيين.