يوم التهنئة الشعبية للرئيس ميشال عون، في بعبدا، بدا أقرب الى يوم استفتاء شعبي، مكمّل ومزكٍّ لانتخابه في مجلس النواب، وربما مضاه له، ولما جرى خلاله من تعدّد لدورات الاقتراع، أو هكذا أريد لهذا اليوم الرئاسي المميز ان يظهر للعيان.
هذا المشهد الاستعادي، لما كان يحصل في باحات وطرقات هذا القصر، خلال عامي ١٩٨٩ و١٩٩٠ غايته الايضاح بأن رئاسة الجمهورية لم تكن الهدف، كما قال الرئيس عون في خطابه لزوار بيت الشعب أمس، بل الهدف بناء وطن قوي بوحدته، ولأن الوطن القوي بحاجة الى دولة قوية تديره، والدولة القوية، هي التي تبنى على الدستور، ليصل الى الجزم بعدم وجود رأس يستطيع خرق سقف الدستور في رسالة حاسمة، بالتأكيد على ما أكد عليه من دعم لاتفاق الطائف في خطاب القسم.
وعود تنموية وأمنية ناموا وأبوابكم مفتوحة أطلقها الجنرال أمام الجماهير المتحمسة، إلاّ أن الاصغاء كان أكثر لحديث السياسة، للعبة الدولية الكبرى التي انتصرت علينا وتركت الجنود غير اللبنانيين يقتحمون بلدنا… وقوله نحن لم نحارب اللبنانيين، ولا هدفنا الوصول الى السلطة، بل كانت حربنا من أجل حرية وسيادة لبنان.
وبدا واضحا ان الرئيس عون لا يريد ان ينكأ الجراح، لذلك لم يسمّ الكثير من الأشياء بأسمائها، واستخدم صفة غير اللبنانيين، تجنبا لذلك، وكأنه يريد ان يعطي من الذكرى العبرة وحسب، بدليل تركيز خطابه على التعاطي مع أي بلد بصداقة مع التأكيد على التخلص من الوصايات الخارجية، ولن نكون مرتهنين الى أي بلد آخر. وهذا لا يعني أي عدوانية بل صداقة صريحة مع هذه الدول، وسنركز على بناء الوحدة الوطنية….
الرسالة واضحة التوازن والاستهداف، وأي وضع للنقاط على الحروف، كان سيعطي عكس مرتجاه، وبقي على الأطراف السياسية ان تتقبّل هذا الموقف الرسمي، من النأي بالنفس، عبر تسهيل عملية تشكيل حكومة العهد الأولى، لأن المشاركة السياسية في هذه الحكومة، تبقى أهمّ من عدد الوزراء ونوعية الحقائب…
أصداء الخطاب الرئاسي الأول، بعد خطاب القسم، ستبدأ بالانقشاع اعتبارا من اليوم، والرئيس سعد الحريري متفائل بتوقعه تشكيل الحكومة بأسرع من المتوقع، واللقاء الذي تمّ بينه وبين كتلة الوفاء للمقاومة في اطار الاستشارات الوزارية وسّع دائرة التفاؤل، خصوصا بعد الخلوة الثنائية بين مستشار الرئيس الحريري نادر الحريري، والنائب حسن فضل الله، الذي يبدو انه سيكون أحد وزراء الحزب في الحكومة الحريرية.
وحزب الله مهتم بتطبيع العلاقة بين أمل والتيار الوطني الحر، وبالحؤول دون تمكين القوات اللبنانية شريك التيار الحر في الانتصار الرئاسي، من المشاركة في قطف الثمار، بالاضافة الى تأمين مقاعد وزارية لحلفاء الثامن من آذار، كالمردة والقوميين وبعض المستقلين، من دون أخذ طوائفهم بالاعتبار…
ويلتقي الرئيس الحريري مع الحزب ومع الرئيس بري، حول أهمية مشاركة تيار المردة في حكومة الوفاق الوطني، من دون الآخرين، ممن يمكن اعتبارهم مشاركين من خلال الحلفاء، وتلاحظ تذكية الرئيس فؤاد السنيورة للوزير روني عريجي بالذات، الذي وصفه بأفضل الوزراء في حكومة تصريف الأعمال.
ومع ذلك فالبعض يخشى أن تطرأ مستجدات مضادة للتفاهمات التي شقت طريق العماد عون الى القصر الجمهوري، والرئيس سعد الحريري الى السراي الكبير، عند الوصول الى محطة النأي بالنفس عن الصراعات الاقليمية، في ضوء اصرار حزب الله على المحاربة حيثما يجب، وفق تصريحات قادته، لكن الأوساط المتابعة، ترى في وصول وزير الخارجية الايرانية محمد جواد ظريف الى بيروت اليوم، وتضمين برنامجه لقاء مع رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، دليلاً على ان القطار الحكومي يستعد للانطلاق، وان ما يجري اليوم من اخذ ورد، ليس سوى نوع من التحمية التي تسبق الانطلاق، بالثلاثين وزيراً من مختلف الاطياف والاتجاهات.
اما موعد الوصول الى محطة الثقة النيابية، فلن يتجاوز عيد الاستقلال، كما تؤكد الأوساط المتابعة مراراً وتكراراً رغم ضبابية الطريق…