IMLebanon

«الشرعيّة الشعبيّة» والبدعة الباسيليّة!

 

لم تتح أحداث الجبل يوم الأحد الماضي أن نتوقف بالأمس أمام الكلام الخطير الذي أطلقه وزير الخارجيّة جبران باسيل خلال جولته المتنيّة يوم السبت الماضي، وعلى الرّغم من أنّ كلامه شديد الخطورة لم نسمع صوتاً واحداً من حماة الدّستور اللبناني وحماة وثيقة الوفاق الوطني (الطائف)، ومن المؤسف أنّ أحداً من «عتاة» و«أساطين» الدستور لم يتصدّوْا لـ «الهراء» الذي أطلقه باسيل في عشاء ختم جولته المتنية في بلدة برمانا، وبالرّغم من أنّ ما «ارتجله» هو هراء لا أكثر إلا أنّه هراء شديد الخطورة وإن ترك باسيل يرسل هرطقاته على هذا المنوال فليتحمّل المسؤولون عنه سياسياً ومرجعيّاً أوزار ما قد يوصل باسيل البلاد إليه!

 

وقد تفتّق العقل الباسيلي في الجولة المتنيّة عن هراء شعبوي أكّد فيه أنّ «هذا العهد يسجل بداية استعادة الشرعية الشعبية لرئاسة الجمهورية وهذا ما حصلناه ولن نتنازل عنه»، بدايةً وفي الشّكل من المفترض أنّ هذا العهد ينطق عن نفسه بنفسه أو عبر بيانات تصدر عن رئاسة الجمهوريّة، وحقيقة على الرئاسة الأولى أن تعرف أنّ اللبنانيين مستاؤون جداً كون الوزير جبران باسيل يتصرّف وكأنّه الحاكم الفعلي بالنيابة عن رئيس البلاد، ويكاد اللبنانيّون يستيقنون أنّ رئيس البلاد على ما يبدو هو من يترك الحبل على غاربه لصهره المفضّل لأداء هذا الدّور السياسي المروّع!

 

في المضمون، المصطلح السياسي الذي استخدمه باسيل لم يأتِ هكذا بشكل عابر وعفوي، بل هو كلام مدروس وبعناية وهو يعنيه بدقّة وهو يدرك خطورته أيضاً، لا يوجد شيء إسمه «الشرعيّة الشعبيّة» هذا كلام خارج على الدستور الذي يحكم البلاد، وهو كلام باطل وما يراد به باطل، وهو خروج على كلّ القوانين التي تحكم البلاد، رئيس الجمهوريّة جالس على كرسي الحكم في قصر بعبدا بفضل الدستور اللبناني وانتخابه الشرعي في مجلس النواب وهو تحت القسم الذي أداه فور انتخابه بأن يحافظ على الدستور وعلى البلاد، أما الحديث عن «شرعيّة شعبيّة» فهذه «هرطقة» تافهة تذكرنا بكلام كان أمين عام حزب الله دأب على تكراره كلّما أراد كسر الأكثرية النيابيّة في المجلس النيابي التي يمثّلها فريق الرابع عشر من آذار كان نصرالله يخرج ليحدّثنا عن «الأكثريّة الشعبيّة» في هرطقة دستوريّة لترسيخ معادلة غبيّة ومستحيلة!

 

هنا علينا أن نحيل الأخ جبران باسيل المتفرّغ هذه الأيام للتصريح فقط، على أفضل من كتب عن هذه الهرطقة التي عاشتها دول كثيرة من بلاد «الربيع العربي» الذي انتهى بكوارث «الشرعيّة الشعبيّة» في مواجهة «الشرعيّة الدستوريّة»، قد يكون الكاتب الصحافي فهمي هويدي من أفضل من كتب عمّا أسماه «بدعة الشرعية الشعبية»، ويرى هويدي أنّ «خطورة مصطلح الشرعية الشعبية تكمن في أمرين، الأول أنها تلغي النظم والقوانين وتطلق ما يمكن أن يسمى حاكمية الشارع، التي تمثل مغامرة كبرى تفتح الأبواب لشرور لا حدود لها»، وللمناسبة هذا ما يفعله الوزير جبران باسيل بكلامه هذا إنّه يفتح الأبواب لشرور لا حدود لها!

 

 

ويرى هويدي أيضاً أنّ «الأمر الثاني أنها (الشرعيّة الشعبيّة) يمكن أن تصبح حال دائمة تتجاوز بكثير حدود فكرة الشرعية الثورية، بحيث يصح لأي جماعة من الناس صغرت أو كبرت أن تنزل إلى الشارع في أي وقت لتفرض ما تشاء على السلطة والمجتمع، باسم الشرعية الشعبية، أي إنها من قبيل الممارسات السائلة، التي لا يحكمها عدد ولا زمن ولا سقف».

 

ربما علينا أن نذكر وزير الخارجيّة أنّنا في العام 2019 لا في العام 1989، وأن رئيس الجمهورية في قصر بعبدا تحت «الشرعيّة الدستوريّة»، وأنّ هرطقة الحديث عن «الشرعيّة الشعبيّة» على ما يقول هويدي هو «باب يضفي الشرعية على الحشود التى يستخدمها البعض لتسويغ التغيير، وهو أمر خطر لا ريب، وسلاح ذو حدين. وهذه الخطورة تتضاعف حين تتعدد الحشود معبّرة عن معسكرات متعارضة، الأمر الذي يمهّد الطريق إلى الفتنة الكبرى المتمثلة في الحرب الأهلية» وبمنتهى الصراحة هذا ما ستقود إليه تصرفات وزير الخارجية  وتصريحاته وهرطقاته!