IMLebanon

الاحتجاجات الشعبية في المحافظات الشيعية تُفشل محاولات الاختراق الإيراني

الاحتجاجات الشعبية في المحافظات الشيعية تُفشل محاولات الاختراق الإيراني

إصلاحات العبادي: تراجع هدير الشارع يُطيح بها!

المتضرّرون داخل البيت الشيعي وخارجه لن يقفوا مكتوفي الأيدي

لا يزال من المُبكر الحُكم على المسار الذي سيسلكه العراق في ضوء «القرارات الإصلاحية» التي اتخذها رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي وأقرها البرلمان، مرفقة  بـ «ورقة إصلاحات إضافية» على وقع حركة الاحتجاجات الشعبية المتصاعدة التي تشهدها بغداد ومحافظات الوسط والجنوب جرّاء  سوء الخدمات وواقع الفساد المالي والإداري المستشري في البلاد. فخطوة العبادي جاءت تحت ضغط الشارع المنتفض الذي التقط إشارات المرجعية الدينية في النجف المستاءة من وصول الاهتراء المؤسساتي حداً غير مسبوق بات يُنذر بالانهيار الشامل للدولة، تماماً كما التقطها رئيس الوزراء الذي رأى فيها تحذيراً من مغبة الاستمرار في حالة العجز الحكومي والشلل في الإدارات، التي فاقمتها المحاصصة الطائفية والحزبية والعلاقات الزبائنية، والتلكؤ في الإقدام على عملية جراحية جريئة تضع حداً لتهالك مفاصل الدولة على مختلف المستويات، سواء الخدماتية، وفي مقدمها الكهرباء، أو اجتماعية واقتصادية ومالية، في وقت أظهرت سيطرة «داعش»، في حزيران 2014، على أجزاء واسعة من العراق هشاشة الجيش العراقي وفشل حقبة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي في بناء مؤسسة عسكرية وأجهزة أمنية قوية ومتماسكة على أسس وطنية.

استفاد العبادي من الهيجان الشعبي وغطاء المرجعية الدينية في النجف ليضرب ضربته ذات البعد الإصلاحي في جانب منها لكنها لا تخلو من أبعاد سياسية في جوانب أخرى، في رأي مراقبين عراقيين. ونجح في الحصول على تفويض من البرلمان يُـتيح له حرية الحركة، لكنه تفويض غير مفتوح الآجال، ذلك أن الكتل السياسية في البرلمان والممثلة في الحكومة، صوّتت بالإجماع على حزمة الإصلاحات الحكومية، كما البرلمانية بشكل شمولي، مِن دون دراستها بنداً بنداً، ومن دون تحديد الأولويات الواجب الشروع بها، ومَنحته التفويض، بعدما شعرت أن حجم الغضب الشعبي يتطلب منها إحداث صدمة إيجابية ولو على حساب صلاحياتها وتجاوز بنود الدستور. كان الاتجاه واضحاً لدى الطبقة السياسية الحاكمة والأحزاب المهيمنة أن عليها التراجع خطوة أو خطوتين إلى الوراء كي لا تطيح بها رياح المد  الجماهيري الذي نزل إلى الساحات منتفضاً على الزعامات السياسية والحزبية،  وفي مقدمها تلك التي مَحَضها ثقته مراراً مع كل استحقاق انتخابي، في ضوء التجييش المذهبي والفئوي والطائفي الذي يشهده العراق بعيداً عن أي مشروع وطني جامع، حالت دونه الانقسامات العامودية في البلاد منذ الغزو الأميركي، وساهمت في تعميق الهوّة بين العراقيين سياسة التهمييش والإقصاء التي مورست على مر السنوات العشر الماضية  ضد المُكوِّن السنّي مع وجود المالكي في الحكم.

أهمية الاحتجاجات الشعبية أنها لا تحمل أجندة سياسية، بل هي احتجاجات مطلبية سلمية ركيزتها الأساسية المُكوِّن الشيعي الذي انتفض في المحافظات ذات الأغلبية الشيعية، وإن كان متنوعاً في بغداد. ويقول خبير أمني أن المحتجين حريصون على عدم إضفاء أي بعد سياسي على تحركهم، حتى إنهم يرفضون مشاركة أي من الوجوه السياسية في تظاهراتهم، وإن كانت محاولات حثيثة جرت خلال الأسبوعين الماضيين بغية اختراقها من قوى سياسية وعسكرية محسوبة على إيران وحلفائها للركوب على الموجة الشعبية، وتشكيلها حالة ضغط على العبادي، الذي يَعتبِر البعض، أنه أجهض محاولات تطويقه من خلال مسارعته إلى تبني حزمة الإصلاحات، التي شملت، أول ما شملت، إلغاء مناصب نواب رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء، والتي أطاح من خلالها بالمالكي الذي كان يشغل منصب نائب رئيس الجمهورية. وما زاد من الاحتقان القائم تضمين تقرير هيئة التحقيق البرلمانيةحول أسباب سقوط الموصل في يد «داعش» اسم المالكي كأحد المسؤولين الرئيسيين عنه.

في هذه الحيثية، هو صراع داخل البيت الواحد في «حزب الدعوة» الذي ينتمي إليه الرجلان، لكن المالكي الذي يحظى بثقل وازن داخل الحزب والمدعوم من إيران، والذي آلت تطورات العراق، ما بعد دخول «داعش» أراضيه، إلى إقصائه عن ولاية ثالثة لرئاسة مجلس الوزراء والقبول بالعبادي كحل وسط في ظل ضغوط إقليمية ودولية، ولا سيما أميركية من أجل القبول كـ «حل وسط» بالعبادي، الذي التزم بـ «وثيقة سياسية» تعهّد بتنفيذها لتصويب العملية السياسية عبر قيام حكومة وحدة وطنية تُعيد الثقة إلى المكوّنات العراقية وخصوصاً المُكوِّن السني، وإنجاز تعديل جملة من القوانين تؤول إلى إصلاح سياسي، تحقّق منها تعديل قانون المحافظات التي جُيّرت إليها الكثير من صلاحيات الحكومة المركزية، فيما تشكيل الحرس الوطني عالق حتى اليوم نتيجة الخلاف على مرجعية الإمرة  والتسليح. ولا يزال  التلكؤ والالتفاف والتسويف السمة الغالبة على خمسة قوانين أساسية تتعلق بـ: النفط والغاز، المحكمة الاتحادية، الأحزاب، العفو العام، والمساءلة والعدالة، والتي هي، في رأي رئيس «القائمة العراقية» أياد علاوي،  من المسائل الجوهرية والإصلاحات الجذرية المطلوب المباشرة بها لبناء فعلي للمؤسسات والخروج من مأزق الطائفية السياسية وتأمين المصالحة الوطنية.

وعلى الرغم من الارتياح الذي أحدثه الإعلان عن القرارات الإصلاحية والبدء بتنفيذ بعضها، ولا سيما لجهة إقالة وزراء ومدراء ووكلاء ودمج وزارات وإلغاء الحمايات الأمنية للسياسيين التي تعد بالآلاف، إلا أنها تبقى خطوات في إطار الحد من الفساد والهدر وترشيد العمل الوزاري والإداري، وتبقى مُجتزأة ما لم تُستكمل في اتجاه إتمام الإصلاحات الجوهرية التي أكدت عليها الورقة البرلمانية، في وقت تسود مخاوف لدى كثير من المراقبين من إخفاق العبادي في المضي قدماً بما بدأه، في ظل اقتناع قوي، في أوساط عراقية، بأن المتضررين، سواء داخل البيت الشيعي السياسي أو داخل المكونات الأخرى والمستفيدين من مغانم السلطة، سوف لن يقفوا متفرجين أمام الإطاحة بالامتيازات التي كسبوها على مرّ السنوات الماضية.

المخاوف من أن يتم مجدداً اختراق الاحتجاجات سياسياً، لا بل أمنياً، وإحداث إرباكات للعبادي، ربما البوادر بدأت تظهر في ما شهدته البصرة, خلال اليومين الماضيين, من مضايقات استهدفت شركات نفطية، ما استوجب توجه رئيس الوزراء إلى تلك المحافظة، ذلك أن ثمة اعتقاداً قوياً بأن الضمانة الحقيقية للعبادي للاستمرار في خطواته الإصلاحية، كما أداة الضغط في وجه كل المتضررين، هي صمود الاحتجاجات الشعبية، فإذا توقفت التظاهرات تنهار العملية الإصلاحية.

رهان العبادي على هدير الشارع السلمي، وعلى ثقل المرجعية في النجف ودعمها لصوت العراقيين، فهل ينجح، أم أن هذه الفرصة التي توصف بـ «الذهبية» ستذهب سدى؟