بالإستناد لنسيبي الأباتي أنطوان ضو الأنطوني الذي نشر مقالاً عن الحركات الشعبية التحريرية التي شهدها جزء من لبنان في النصف الأول من القرن التاسع عشر في عهد ولاية الأمير بشير الثاني أغتنم الفرصة المتاحة لي للإشارة إلى الحركات التحريرية التي تقودها الشعوب بوعي ونظافة كف ورؤية واضحة كي لا تسقط في التجارب القاتلة والتي قد تؤدي إلى فشل الثورة والتي ربما تكون حاملة منظومة سياسية جديدة من شأنها مضامينها إراحة الشعب الثائر نحو الأحسن.
الوضع في لبنان هو أشبه بظروف «عامية إنطلياس» وهو صعب ومعقّد لأنه يحمل أوزار سياسة فاشلة وإحتلال مقنّع تحت ستار ألف حجة وحجة ولا حجة منهم تفيد لبنان، الأسباب الموجبة لـ«عامية لبنان» متاحة، علماً أنّ هناك على ما يبدو تحولات ومخاطر أزمات كبرى وترسيم معالم أنظمة تنذر بأزمات كبيرة يصعُبْ التكيُّف معها في هذه المرحلة أو التغاضي عن أحجامها وأخطارها سواء أكان على مستوى لبنان أو على مستوى البلدان المحيطة.
الجمهورية اللبنانية تنهار مؤسساتها تباعاً والإنهيارات جدّ خطيرة منها السياسية الأمنية الاقتصادية، المالية، التربوية، الإجتماعية، لم يسبق أن رأينا مثيلاتها في التاريخ اللبناني والسبب في هذا الحجم من الإنهيار هو الفشل السياسي المستشري في البلاد، وبالتالي بات على الذين ينعمون بقدر معيّن من الحرية مواجهة هذا الخطر المحدّق في لبنان ومن معاينة المواضيع الخلافية وعدم السماح لهذا التعامي عن الحقائق الملموسة التي تتناقض وأحكام الدستور والقوانين المرعية الإجراء والقوانين الدولية ذات الصلة بالقضية اللبنانية.
سأحاول أنْ أستشهد بالعديد من الحركات الثورية وعلى سبيل المثال في العام 1986 شارك الملايين في العاصمة الفيليبينية مانيلا في مسيرات سلميّة حملت في حينه إسم «قوة الشعب» وكانت نتيجتها بعد أربعة أيام سقوط النظام في هذا البلد، كما في العام 2003، أجبر سكان بلاد جورجيا الرئيس شيفرنادزه على الإستقالة، عقب «ثورة الورود» حيث إقتحم فيها المحتجون البرلمان الجورجي حاملين في أيديهم زهوراً دون إراقة قطر دم واحدة، وأخيراً وليس أخراً أعلن رئيسيّ دولتين عربيّتين وهما السودان والجزائر التنّحي عن النظام تزامناً مع ضغط الحَراك الشعبي. في علم السياسة هناك أسباباً أخلاقية وراء إنتهاج الأسلوب السلمي وبكل مندرجاته ويؤكد الباحثون في العلوم السياسية أنّ العصيان المدني ليس خياراً أخلاقياً فحسب بل ثبُتَ لهم أنه أكثر قوة وفعالية بمراحل معينة من جميع الأشكال الإحتجاجية في تشكيل مشهد سياسي على أي مسرح سياسي داخلي أو إقليمي أو دولي، كما يجب أن يتيّقن الثوّار من الآلية التي سيستعملها الخصم معهم أثناء ثورتهم البيضاء.
دراسات عديدة بالإجمال أعدّها «مركز الأبحاث السياسية والاقتصادية PEAC» شملت العديد من الحركات التحررية في العالم، وارتكزت مجمل هذه الأبحاث على أفكار سياسية – أمنية – اقتصادية – قضائية مؤثرة على مجرى الحياة السياسية في البلدان المتعثرة، والتي برهنت بشكل لا يقبل الجدل وبالأدلة النافذة علمياً على قوة تأثير الإحتجاجات السلمية إزاء الأنظمة المتعثرة والدكتاتورية والشمولية والتي من الواجب إعتمادها في سياق الثورات البيضاء للوصول إلى النتائج المرجوّة ألا وهي تطبيق القوانين المرعية الإجراء وفقاً لمندرجات حقوق الإنسان.
بعض القرّاء سيطرحون أسئلة إستفسارية عن مدى الحركات الإحتجاجية السلمية مثلاً وفي نطاق عملية توثيقية أجراها PEAC هناك حركات إحتجاج كثيرة سلكت الطرق السلمية ونجحت في مسعاها ويُشير المركز في إحدى دراساته إلى أنّ فرص نجاح أي حَراك سلمي تعود إلى القدرة التنظيمية وعلى حشد المناصرين في قطاعات عريضة من المجتمع المدني ممّا يؤدي علمياً إلى تعطيل حكمي للمرافق العمومية في الدولة وتعطيل الحياة العامة في البلاد بالشلل الكامل. وأكبر مثال على ذلك الحركة الاحتجاجية في البرازيل عامي 1981 و1985 بلغت مليون متظاهـر، كما استقطبتْ الثورة المخملية في تشيكوسلوفاكيا عام 1989 حوالي 600 ألف متظاهـر. والجدير ذكره أنّ الحَراك الشعبي يستمد قوته من أعداد المشاركين ومن حُسنْ إختيار المنظومة السياسية المنتهجة بما يمثل تهديداً فعلياً للسلطات الجائرة القائمة خلافاً للنظام الديمقراطي والذي يتأثر بها الشعب سلباً. كما تذكر بعض الدراسات أنه بمجرد ما تصل نسبة الشعوب الثائرة إلى 30% فإنّ الحَراك يكون قد سلك طريق البداية وإنّ نجاح الثورة البيضاء سيتحقق لا محالة.
كباحث وناشط سياسي اعتبر أنّ هناك ثمة مصادفات في تاريخ الشعوب السياسي تتعدّى ما يُعرف بـ«مفهوم الصدفة» لكن أشدّها حكمة تلك التي تُجسَّد تطابقاً في تواريخ سابقة بين فعل وحدث معينين. وللأمانة أذكر على سبيل المثال جزء قليل من الثورات في لبنان: ثورة طانيوس شاهين سعادة الريفوني 1815 و1895، ثورة العام 1958، نداء أصحاب السيادة الأساقفة الموارنة الصادر في 30 أيلول 2000، إنتفاضة الإستقلال 2005، ونطرح كمركز أبحاث PEAC «عامية لبنان» هدفها إستعادة السيادة الوطنية الكاملة على الأراضي اللبنانية، والإصرار على المضي في الدفاع عن الثوابت الوطنية التي تحكم الجمهورية اللبنانية من خلال إنتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية بالتعاون مع رئيس حكومة ووزراء يرصّون صفوفهم ويرفعون صوتهم الواحد عاليا ويعملون على تشكيل مجموعات ضغط في كل المجالات وكسر حاجز الصمت والخوف، فالعمل السياسي السليم هو المدخل لأي ثورة وإستناداً للفقرة – د – التي تنص «الشعب مصدر السلطات وصاحب السيادة يُمارسها عبر المؤسسات الدستورية» وإستناداً لقانون الدفاع الوطني وتحديداً المادة الأولى منه: «مفهوم الدفاع الوطني والقوى المسلحة، الدفاع الوطني يهدف إلى تعزيز قدرات الدولة وإنماء طاقاتها لمقاومة أي إعتداء على أرض الوطن وأي عدوان يوجه ضده وإلى ضمان سيادة الدولة وسلامة المواطنين. يمكن استخدام القوى المسلحة في الحقول الإنمائية والإجتماعية شرط ألاّ يعيق ذلك مهامها الأساسية، يقرر هذا الاستخدام بموجب مرسوم بناء على إقتراح وزير الدفاع والوزير المختص. يقصد بالقوى المسلحة الجيش – قوى الأمن الداخلي – الأمن العام، وبوجه عام سائر العاملين في الإدارات العامة والمؤسسات العامة والبلديات الذي يحملون السلاح بحكم وظيفتهم».
إنّ «عامية لبنان» هي المدخل لإنتقاضة شعبية بيضاء لا أحد بإمكانه إسكاتها أو منعها من العيش بإستقلال وحرية، وهذه العامية قرّرت الإمساك بلبنان من خلال رئيس يحمل برنامج يُشاركه في صياغته رئيس حكومة ووزراء عنوانه العيش الكريم مهما اشتدّت الصعوبات واشتدّت الضغوط، وللبحث صلة…
* كاتب وباحث سياسي