منذ عشرات السنين وكل برامج حزبنا تشي بحمل راية التغيير بأبعاده الوطنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، ولم نكن يوماً من المستسلمين لا للكوابيس عند الهزائم.. ولا للأوهام في فترات الحراك الشعبي.
وحتى لا يضيع التاريخ في زحمة الحدث اليومي، لا بد من التأكيد بأن بدء الحراك الحالي، لم يكن كما صوّره الاعلام مع تحرك «طلعت ريحتكم» من دون التقليل من أهميته، بل سبقته تحركات اتخذت طابع الانتفاضات الشعبية، وخاصة «عامية برجا» وتحرك الشحار في وجه مطمر الناعمة وتحركات اتحاد الشباب الديموقراطي والشيوعيين في بيروت، وأمكن لها كلها تحقيق مكتسبات حقيقية أعطت بصيص امل لما يمكن ان يليها.. فمنع اهالي برجا والاقليم مخطط تراكم التلوث في منطقتهم لمصلحة جيوب الزعامات السياسية وكذلك منع تحرك الشحار مخطط «البيعة السياسية ـ المالية» بإعادة فتح مطمر الناعمة. وعلى هذه القاعدة بنيت تحركات المناطق الأخرى من البقاع الى عكار المحرومة دائماً إلاّ من مصائب الطبقة السياسية الحاكمة.
]]]
وبرغم الاتهامات الجاهزة التي تحاول تقديم الخاص على العام في التحرك، نعلن بأننا نحن الشيوعيين الذين نعتبر اميركا كما اسرائيل عدوة شعبنا اللبناني والعربي، وناهبة ثرواتنا وأعلنا مقاومتها، ومستمرون في مقاومتها، نحن الذين نعتبر السعودية وقطر واخواتهما قاعدة المصائب العربية ورأس حربة المشروع الأميركي في المنطقة، نحن الذين اعتبرنا ونعتبر الارهاب خطراً توأما للعدو الصهيوني، ودعونا لحماية حدودنا منه، نعتبر ان تغيير النظام الطائفي وبناء الدولة المدنية الديموقراطية، دولة العدالة الاجتماعية، شرط المواجهة الأولى، وتبقى المقاومة ناقصة بل تخرج عن أهدافها، إذا لم يشمل انجازها عملية التغيير وبالتالي مصالح شعبها وفقرائه خصوصا، هؤلاء الذين يشكلون قاعدتها وحصانتها، نعلن اننا مع الحراك وفي صلبه، ونعلن اننا مسؤولون عن انجاحه ودعمه.
طبعاً هذا لا يمنع أن الولايات المتحدة وقطر وربما لاحقاً السعودية، سيحاولون احتواء الحراك او بعض رموزه وأطرافه، وهذا أمر طبيعي، لا بل لجأت إليه الولايات المتحدة في كل التجارب العربية. ولكن المسؤولية تقتضي ان تقف كل القوى التي تدعي مواجهة المشروع الأميركي، لاتخاذ مواقف داعمة للحراك لتحصينه جماهيرياً، كما في وجه محاولات الخليج وأمواله والولايات المتحدة ومؤامراتها لحرفه عن طبيعته ومكوناته واهدافه…
إن حماستنا للحراك، ليست حماسةً غرائزيةً، بل مبنية على قاعدة أوسع من الشعارات المرفوعة فيه والتي تشكل جزءاً اساسياً من مشروعنا التاريخي للتغيير الديموقراطي في لبنان.
إننا نرى في الظروف الراهنة تبلور إمكانيات حقيقية لتحقيق خرق سياسي باتجاه التغيير، وهي فرصة لم تتوفر لنضالات شعبية كبيرة في السابق، من حملة إسقاط النظام الى تحركات «هيئة التنسيق» وباقي التحركات العمالية المتفرقة.
ولطالما شكلت مجموعة عوامل أحد أبرز عناصر حماية النظام اللبناني، وسنكتفي بالتركيز على عاملين:
الأول، الركيزة الاساس للنظام اللبناني، هي مسارعة النظام الاقليمي دائماً لإنقاذه من مآزقه وازماته واخراجه منها، لأسباب اقليمية دائما، من الحروب الأهلية التي ورط البلد بها. والنظام الاقليمي نفسه اليوم في طور الأزمة وإعادة التكوين وبالتالي فهو عامل ضعيف ان لم يكن بحكم المعطل بالكامل وغير القادر على مساعدة النظام بشكل فاعل.
الثاني، إن درجة تفاقم الازمات الاجتماعية، من ماء وكهرباء وتجميد للرواتب وزيادة للاسعار والبطالة المرتفعة وتفاقم الدين العام بما يقارب سقف المئة مليار دولار وغياب التقديمات الصحية والاجتماعية والتربوية وآخرها فضيحة «النفايات» وما تشكله من مخاطر على صحة اللبنانيين، تجعل المشكلات اكبر من قدرة أهل النظام على احتوائها في سياق كذبة «التوازن المالي» التي يروجون لها، وهو الأمر الذي بدأ يؤثر على قدرة التعبئة المذهبية لدى زعامات الطوائف وعلى درجة التفاف الجمهور حولهم (برغم بقاء ذلك عامل القوة الوحيد التي يمكنها تحريكه في وجه الانتفاضة).
إن هذين العاملين، لا يدفعانا الى الوقوع في وهم التغيير الحتمي والسريع ولكن، غياب عوامل قوة النظام او ضعفها، يدفعنا للتأكيد بأن هنالك فرصة كبيرة لنجاح الانتفاضة الشعبية واحداث خرق سياسي ما.
وبقدر الأمل بهذه الفرصة، فإن رؤيتنا للمخاطر التي تهددها ايضاً واضحة. فقوى النظام تشعر بمكامن ضعفها وبمكامن قوة التحرك، ولذلك كان واضحاً انها ستستنفر كل جهودها للتوحد لحماية نظامها ومحاصصتها، بانتظار المدَد الاقليمي.
وفي هذا المجال، من الطبيعي ان يكون»ثلاثي الطائف» (الحريري ـ بري ـ جنبلاط) والأطراف الاخرى، الاكثر شعوراً بالخطر وبالمسؤولية عن الحفاظ على نظامهم وكذلك النظرة للخوف غير المبرر من قوى ادعت الاصلاح والتغيير وبشكل اساسي التيار العوني، ووضع نفسها وتحركاتها، ليس في وجه النظام كأولوية بل في وجه التحرك نفسه.
اننا لا نستثني من ذلك «حزب الله» الذي نستغرب ترويجه لفكرة المؤامرة واتهام التحرك (كل التحرك) بالتبعية، بدل احتضانه وجعل الانتفاضة الشعبية وجها آخر للمقاومة ينقصها حتى الآن.
وهنا لا بد من الاستغراب، كيف تبرر هذه القوى لنفسها الجلوس في مواقع عدة الى جانب واحيانا بالتحالف مع قوى هي دائماً تابعة لأميركا والخليج. قوى وقفت ضد المقاومة في زمن عدوان تموز، وتأخذ على الحراك فرضية وجود بعض المُمولين والمندسين فيه. هذا منطق لا يمكن فهمه إلاّ في إطار مظاهر تدجين التيار العوني او حزب الله في دائرة النظام الطائفي نفسه بعيداً عن شعارات الاصلاح والمقاومة.
]]]
الأمل أكبر ولكن المخاطر كثيرة، النظام لا يزال قوياً والدعوة للحوار، دعوة لكسب الوقت بانتظار توزيع «المن والسلوى» من الاتفاق النووي الايراني ـ الاميركي… قوى المشروع الاميركي ومنه قطر ودول الخليج، ستحاول إجهاض التحرك عبر محاولة استيعابه وادراجه في إطار هجمتها المضادة على مستوى المنطقة.
ولكن في المقابل، فإن املنا، ان يشكل تنظيم الحراك وبلورة شعاراته المتدرجة من المباشر والاجتماعي الى السياسي اصبح ضرورة، ان يشكل ذلك حصانة للتحرك ودفعاً له. فالانتخابات النيابية على قاعدة قانون نسبي وخارج القيد الطائفي، تبقى المدخل شبه الوحيد لإعادة تأسيس الدولة على قاعدة مدنية ديموقراطية، على قاعدة ان تكون دولة للعدالة والمساواة وتحقيق مطالب العمال والموظفين والمعلمين وتأمين الخدمات العامة وحق الفقراء بالسكن وتحقيق البيئة النظيفة باستعادة البلديات لحقها وواجبها واموالها.
لا مجال للعودة الى الوراء، ولكن الاكيد ان هذا النظام اهتز وامكانية اسقاطه اصبحت اكبر.