IMLebanon

عدد سكان لبنان يلامس عدد غير اللبنانيين على أرضه

 

نسبة النمو السكاني في بعض المناطق المسيحية صفر

 

هل يبقى لبنان بعد عشر سنوات بلداً للبنانيين؟ هل يكون سكانه من اللبنانيين الأصيلين أباً عن جد، أم يصبح مخيماً كبيراً يأوي من ضاقت به اوطانه فوجد في البلد الصغير بديلاََ متاحاً مشرع الأبواب بلا حسيب او رقيب؟ الواقع مخيف، والأرقام على ضبابيتها ترسم للمستقبل صورة قاتمة يغمض المسؤولون أعينهم عمداً عنها. الهجرة، اللجوء، التجنيس وشيخوخة السكان عناوين تهدد بتغيير وجه لبنان الى الأبد ونسف ديموغرافيته وتوازنه الهش. فهل من يسمع ويعي نواقيس الخطر؟

 

أزمات تتراكب فوق بعضها البعض وتتداخل مفاعيلها ملقية بظلالها الثقيلة على الواقع اللبناني، الذي لا يكاد يهضم أزمة حتى تعاجله أخرى. تقهقر سكاني بدأ مع الحرب اللبنانية وتغير وجهه مع انتهائها وارتدى قناع الازدهار المزيف (من دون ان تنتهي تداعياته)، ليشتد من جديد مع الحرب السورية واللجوء السوري الى لبنان، ولتكتمل فصوله مع انهيار العملة الوطنية وارتفاع التضخم وبلوغ الفقر مستويات غير مسبوقة في لبنان. مع د. علي فاعور الخبير في شؤون السكان والهجرة نلقي الضوء على تداعيات هذه العوامل مجتمعة على الواقع الديموغرافي الجديد لسكان لبنان وما يعنيه ذلك من مخاطر على مستقبل هذا الوطن.

 

لبنان مخيم كبير ومستقبله مهدد

 

لبنان يضم اليوم حوالى 8 ملايين ساكن بحسب د. فاعور،( أو سبعة ملايين ونصف بحسب تقديرات أخرى) ووفق آخر إحصاء لمديرية الاحصاء المركزي نشر بداية العام 2020 فإن عدد اللبنانيين المسجلين في سجلات النفوس اللبنانية والمقيمين في لبنان بلغ3,800,000 نسمة، فيما بلغ عدد أبنائه الموجودين في الخارج حوالى 2,200,000 لبناني. وبحساب بسيط يتضح لنا أن أعداد غير اللبنانيين توازي أو تفوق أعداد ابناء هذا الوطن. فالى الفلسطينيين الموجودين في لبنان منذ 1948 اضيف اللجوء السوري وقبله العراقي، ومعه عدد كبير من مكتومي القيد الذين لا يحملون الجنسية اللبنانية يعيشون على أرض لبنان. هذا من دون إغفال وجود أعداد كبيرة من العمال والمهاجرين غير الشرعيين من جنسيات مختلفة كالسودانيين والمصريين والآسيويين. وبعض المناطق في الأطراف ولا سيما الفقيرة منها مثل طرابلس وعكار والبقاع باتت أعداد النازحين وغير اللبنانيين فيها من الفقراء تفوق اعداد سكانها من اللبنانيين، والدليل على ذلك إعادة تكوّن أحزمة الفقر حول المدن.

 

واللافت في الأمر ان المخيمات الفلسطينية باتت تضم اليوم اعداداً كبيرة من غير الفلسطينيين من الفئات الضعيفة، الفقيرة والمهمشة من اللاجئين والمهاجرين. ومن يتابع احوال هؤلاء يجد أنهم تأثروا بالأزمة الاقتصادية وانهيار العملة مثلهم مثل اللبنانيين وباتوا يعيشون أزمة حياتية حادة، بحيث يمكن رؤية عمال سودانيين مثلاً ينامون في الشارع في منطقة الحمرا.

 

وكأن لبنان صار كله مخيماً كبيراً على مرأى ومسمع من مسؤوليه ومن دول العالم أجمع التي وجدت في تحويله الى خزان للاجئين والمهجرين والمهاجرين مصلحة لها، وسعت جاهدة لدمج اللاجئين في المجتمعات اللبنانية تجنباً لهجرتهم نحوها. وقد اضحى هؤلاء يهددون كيان لبنان ويزاحمون اهله في ما يعرف بالنزوح الإحلالي اي الحلول محل السكان الأصليين، مع كل ما يعنيه ذلك من تبعات ديموغرافية تغير وجه لبنان وتركيبته السكانية. والدليل على ذلك ما أوردته دراسة للمفوضية العليا للنازحين تبين أنه في السنة العاشرة للنزوح السوري الى لبنان 80% من النازحين هم من الأطفال والنساء، اي من الفئات الضعيفة التي تشكل عبئاً كبيراً على المناطق اللبنانية التي تأويهم بدءاً من البنى التحتية وصولاً الى البيئة والاقتصاد.

 

تراجع النمو السكاني

 

مشكلة النزوح والاعداد المخيفة لغير اللبنانيين على أرض لبنان ليست مصدر الخطر الوحيد، وإليها يضاف عامل ديموغرافي خطر يهدد بإحداث خلل كبير في البنية السكانية للبنان ويضع البلد أمام خطر وجودي حقيقي، يتمثل في تضاؤل نسبة النمو السكاني بحيث بات يطرح سؤال جدي: هل يكون لبنان في العام 2040 بلد الطفل الواحد؟

 

تؤكد الدراسات السكانية أن المحافظة على النمو السكاني تتطلب ان تكون نسبة النمو 4,1 ولكن بحسب د. فاعور فإن النسبة في لبنان وفق آخر دراسة سكانية نشرت في العام 2019 بلغت 3,6 في القرى و3,5 في بيروت، ومن المتوقع أن تنزل هذه النسب ولا سيما مع إرتفاع كبير لموجة الهجرة بين الشباب التي تمنع تكوين اسر جديدة. وقد تصل نسبة الولادات وفق التوقعات في حال استمرار الهجرة والأزمة الاقتصادية الى 1,6 للمرأة الواحدة، في حين ان المعدل الذي يؤمن الاستمرارية هو 2,1 طفل لكل امراة، الأمر الذي يؤدي الى تغيير البنية السكانية للبنان وتعريض مستقبله للخطر. وفي نظرة الى الأرقام يمكن أن نفهم بشكل أوضح مكامن الخطر. فعدد الولادات في لبنان عام 2019 بلغ 85000 ولادة وعدد الوفيات 30000 اي ان النمو هو 50000 نسمة، ولكن مع توقع عدد مهاجرين يقارب 100000 شخص وتوقّع هجرة ما بين 4 و5% من سكان لبنان، يمكن ان نفهم بوضوح كيف ان سكان لبنان يتناقصون بشكل مرعب. وتشير بعض الدراسات الى ان عدد اللبنانيين دون الخمس سنوات يبلغ 5% من مجمل السكان، بينما يبلغ ما بين 18 الى 20% وسط النازحين السوريين!

 

 

المسيحيون في خطر!

 

هل المسيحيون هم الأكثر عرضة لهذا التبدل الديموغرافي؟ ام ان التغيير السكاني يطال كل الطوائف؟ الإجابة عن هذا السؤال دقيقة، ويؤكد د. فاعور ان الهجرة تشمل كل الطوائف لكنها تؤثر على المسيحيين بشكل أوضح وذلك لأن عددهم أقل من المسلمين، حيث تراجعت نسبتهم الى 30% من عدد سكان لبنان وبعضهم يقول الى 28% وأي خلل في النمو ينعكس عليهم بشكل اوضح. وثمة مناطق لبنانية مسيحية اليوم تلامس فيها نسبة النمو الصفر مثل بشري وجزين والمتن وكسروان.

 

من هنا سعي البطريركية المارونية والمرجعيات والهيئات المسيحية الى العمل على الحد من الهجرة وذلك خوفاً من تراجع أعداد المسيحيين بشكل، كبير خصوصاً مع فتح كندا أبواب الهجرة واسعة وطلبها لأكثر من مليون مهاجروتسهيلها الدخول الى أراضيها لمن يتقنون اللغات، وتسهيلات للدول الأوروبية لا سيما فرنسا والمانيا والسويد للهجرة. وثمة تحرك من الفاتيكان وبعض الدول الغربية لفك الحصار المفروض على لبنان لتخوفها من الهجرة التي بدأت تفرغ الوطن الصغير من الوجود المسيحي.

 

أما الخطر الآخر على الصعيد الديموغرافي بالنسبة للمسيحيين فناتج عن مفاعيل مرسوم التجنيس المشؤوم، الذي صدر عام 1994 وحمل الرقم 5247 ومنح الجنسية اللبنانية لحوالى 200000 شخص توزعوا الى أربع فئات مختلفة: أشخاص مكتومو القيد، يحملون بطاقات “قيد الدرس”، أهالي القرى السبع، وأجانب يحملون جنسيات من أكثر من 80 دولة مختلفة. ولكن تبين في ما بعد وجود خلفيات سياسية وطائفية وانتخابية لهذا المرسوم ما دفع بالرابطة المارونية للطعن فيه، مستندة في ذلك على مخالفته لمبدأ المساواة بين المواطنين وخلقه خللاً جسيماً في التوازن الطائفي والعيش المشترك، نظراً لتجنيسه عدداً من المسيحيين أقل بكثير مقارنة مع المسلمين. وقد أوصت اللجنة العليا المشكّلة من قبل وزارة الداخلية للتحقيق بملفات المجنسين عام 2004 بسحب الجنسية عما يقارب 1940 شخصاً من أصل أكثر من 150 ألفاً، وبعدها في العام 2011 تمت دراسة حوالى 200 ملف وسحب الجنسية من عدد محدود من المجنسين. ولكن مهما يكن الجدل حول هذا المرسوم فإن مفاعيله ما زالت تتردد حتى اليوم حيث يُتوقع أن يكون عدد المجنسين قد قارب 700000 شخص، مسبباً بذلك خللاً واضحاً في التركيبة السكانية والفرق بين اعداد المسيحيين والمسلمين.

 

مهاجرون

 

 

رغم المخاطر التي تتهدد كيانه ووجوده، فان لبنان، هذا البلد الغريب العجيب، هو البلد الوحيد في العالم الذي يعيش بلا أرقام رسمية ويخشى تعداد سكانه ومقيميه. ومعروف ان آخر تعداد يعود الى العام 1932. وكأن إخفاء الأرقام هو إخفاء للحقائق وهروب منها. ويرى د. فاعور مثله مثل كل الباحثين في شؤون السكان أن تعدادنا هو مستقبلنا ولا يمكن بناء دولة بلا أرقام رسمية ترصد عدد السكان وتوزّعهم الطائفي وعدد المقيمين في البلد وخلفياتهم.

 

مديرية الإحصاء المركزي تقوم من وقت الى آخر بإحصاء بالعينة يعطي لمحة عن عدد السكان، وقد تبين وفق ارقامها ان عدد سكان لبنان حالياً بحدود 8 ملايين ساكن، بينهم وفق المفوضية العامة للاجئين مليونان ونصف مليون لاجئ سوري، وثمة من يؤكد أن 62% من اللاجئين الموجودين على أرض لبنان غير مسجلين في المفوضية. يضاف الى هؤلاء حوالى 450,000 لاجئ فلسطيني و300,000 عامل أجنبي و300,000 من مكتومي القيد والأطفال غير المسجلين.

 

بالعودة الى عام 1960 قامت بعثة أرفد بإجراء مسح لسكان لبنان وتبين حينها أن العدد 1,626,000 مقيم وحوالى مليون مهاجر يعيشون خارج لبنان. وفي إحصاء للقوى العاملة عام 1970 وصل عدد السكان الى 2,150,000 نسمة. وفي العام 1996 اجرت وزارة الشؤون الاجتماعية مسحاً وصل فيه العدد الى 3,150,000 ليرتفع الى 3,500,000 عام 2004 ويصل الى3,800,000 عام 2019، في مؤشر واضح الى تباطؤ مخيف في النمو السكاني.

 

وبعد، هل يقرأ المسؤولون هذه الأرقام؟ هل يعرفون ما تعنيه وهل يدركون ان أبناءهم ربما لن يجدوا مكاناً لهم في لبنان الذي يتنازعون اليوم على مناصبه؟ هل يدركون أنهم صاروا اشبه بنواطير المفاتيح لبيوت خالية؟