هذه حِقبة تاريخية بكل ما للكلمة من معنى، يعيشها العالم كله، بما فيه لبنان، بل خصوصاً وطننا، الذي «تفرّد» عن سائر بلدان المعمورة بكارثة كبيرة، إضافة إلى المعاناة العالمية العامة المتمثّلة صحياً واقتصادياً بجائحة كورونا التي قلبت المفاهيم الإنسانية والاجتماعية رأساً على عقب حتى ليصح فيها أن ما قبل هذا الفيروس ليس كما بعده. وأيضاً هناك الانتخابات الرئاسية الأميركية التي، على رغم أهميّتها عموماً، فهي تأخذ هذه السنة خصوصية استثنائية، كون أحد أبرز نجومها الرئيس دونالد ترامب الذي يُـمثل ظاهرةً غير مسبوقةٍ بين قاطني المكتب البيضاوي في البيت الأبيض، بالنظر إلى شخصيّته المركّبة من العدائية والاستفزاز والجهل أيضاً. وبالتالي، فإنها تنعكس بالضرورة على المعمورة قاطبةً إن في نطاق الحرب الاقتصادية بين واشنطن وبيجينغ أو في الحروب المشتعلة في منطقتنا من سوريا إلى اليمن، أو في ما يُنتظر من محادثات «تحدث أو لا تحدث» بين الأميركي والإيراني ومدى تأثيرها على المنطقة وحتى على الداخل اللبناني. وأيضاً مناورات الحلف الأطلسي على حدود روسيا المتّسمة بالتحدي. وكذلك ما تشهده منطقتنا وجوارها جرّاء الانتفاخ الذي يحياه «السلطان» رجب طيّب أردوغان، الساعي إلى استعادة خلافة اندثرت وهو يترك بصمات مزاجه وتدخّله في كل مكان من كاتدرائية آيا صوفيا إلى استعراضاته في بحر إيجه، مضرماً مشروع حرب مع اليونان، إلى تحدّيه المملكة العربية السعودية ومصر من شرق البحر المتوسّط إلى غربه في ليبيا…
في هذه الأجواء المضطربة، يُعاني لبنان تداعيات انفجار المرفأ والفجيعة التي خلّفها في وقت تطوّع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مشكوراً لدور الناصح الصادق، وإلى ذلك التحقيق اللبناني المطعّم باللونَين الأميركي والفرنسي، والذي يحلم أهل هذا البلد المنكوب في أن يصل إلى خاتمةٍ عادلة إن لم يكن فقط من أجل راحة الشهداء في أضرحتهم والجرحى في نقاهتهم وذوي الضحايا في أحزانهم (…) فمن أجل القضاء اللبناني ذاته الذي هو في مرمى الرقابة الداخلية والدولية والأممية، فعساه يصل إلى الحقيقة ويُصدر الحكم فيها، لتُغفر خطايا تراكمت طويلاً وتحمّلها هذا القضاء بسبب تدخّل السياسيين في شؤونه.
إن ما بعد 4 آب 2020 ليس مثل ما قبله. وأياً جاءت النتائج، فإن لبنان اللامبالاة والإهمال والفساد لن يعود، وإلا… فلن يبقى لبنان الدولة، إنما مجموعات متناقضة لن يُحسب لها حساب في المعادلات الإقليمية والدولية، وستُضاف إلى أشباه الدول الفاشلة المتروكة إلى قدرها التعِس.