تهدف محاولة تدمير مرفأ بيروت الى محاولة تدمير جذورنا وتاريخنا. انّ أصلنا الفينيقي، وبكل فخر، إبتدأ من خلال الانفتاح على العالم عبر البحر المتوسط، حيث دار الفينيقيون حول العالم بأسطولهم المبني من خشب الأرز اللبناني، الذي لا يلين ولا يغرق. وقد صدّر الفينيقيون هذا الخشب إلى العالم، وصُدّرت معه معرفة الفينيقيين وثقافتهم، والكلمة والحرف، ونجاحاتهم إلى العالم عبر المرافىء الساحلية، لا سيما مرفأ بيروت الذي تحوّل في ما بعد إلى مرفأ العاصمة اللبنانية.
لا شك في انّ محاولة تدمير المرفأ هي محاولة لتدمير الإقتصاد الأبيض، وهو أسس اقتصادنا، المتمثّل بالاستيراد والتصدير، والصناعة والتجارة، والخدمات والزراعة والصناعة والسياحة باعتبار أنّ هذه القطاعات هي الأسس الاقتصادية في لبنان التي تُصدَّر عبر المعابر الشرعية والتي يمتلكها لبنان، لا سيما مرفأ بيروت، والتي تترجم انفتاحنا على حوض المتوسط. لذا، فإنّ محاولة تدمير الإقتصاد الأبيض هو محاولة لتدمير نجاحات اللبنانيين وابتكاراتهم. إنّ أساس نجاح الاقتصاد اللبناني يكمن من خلال التصدير والإستيراد المنتج حيث بُني اقتصادنا.
إنّ محاولة تدمير المرفأ تعني محاولة تدمير بيوتنا، حيث دخل الإجرام إلى صلبها، إذ أوقع التفجير نحو 200 قتيل ضحية وزهاء 6 آلاف جريح، وترك 300 ألف شخص مشرّداً من دون مأوى أو بيت يأويه، في ظل عجز أكثر من نصف عدد الشركات اللبنانية الموجودة في لبنان التي لم يعد في مقدورها متابعة عملها من مواقعها الطبيعية.
إنّ محاولة تدمير المرفأ هي محاولة لتدمير ذكائنا وإرادتنا، إذ يُحاول المجرمون أخذ صُلب الموضوع إلى مَن أشعل النيران، عوضاً عن التركيز على المادة المتفجرة والكيميائية التي اشتعلت وانفجرت، وهنا أساس المشكلة. فالأولوية القصوى يجب أن تبدأ من: كيف أدخلوا إلى المرفأ نحو 2750 طن من نيترات الأمونيوم المتفجرة، ووضعوها تحت بيوتنا 6 سنوات، وصنعوا من هذه المواد قنبلة نووية مدمّرة، عن معرفة أو عن عدم معرفة؟
في حال كان هذا الإجرام متعمّداً فهو إجرام كبير لا يُغتفر، أما في حال كان هذا الإجرام عن قلة معرفة او جهل فهو إجرام أكبر مما نتصوره، إذ مرة أخرى يدفع المواطنون الأبرياء والاقتصاد وكل اللبنانيين في لبنان والعالم ثمن هذه الكارثة المدوية.
كلّنا نعلم أنّ مَن أشعل النيران هو الفساد المستشري، وعدم المحاسبة، والإقتصاد الأسود. إنّ هذا الإنفجار دمّر الاقتصاد الأبيض، وفجّر الاقتصاد الأسود الذي هو اقتصاد الفساد، وعدم المحاسبة، وعدم الشفافية، والمحاصصة، وتوزيع المكاسب، هذا هو الذي انفجر وأشعل النيران.
يُمكن أن يدمّروا المباني، ويُحطّموا الزجاج، حيث سنُعاود بناءهما بكل تأكيد، لكنّ الأهم من كل ذلك والأكيد الذي لا يُمكن أن يُدمّر الإرادة اللبنانية، وحبّنا للحياة والحماس حيال إعادة الإعمار على أسس جديدة ومتينة.
رسالتنا تكمن حول حبنا للحياة وإعادة الإعمار حيث لا يُمكن أن ينتهي، لذا أؤكد أنّ انفجار المرفأ أدّى إلى «انفجار» (بالمعنى الإيجابي) إرادتنا وحبّنا للبنان واقتصاده. بناء عليه، لا ولم نهرب أو نتهرّب من مسؤولياتنا، بل سنبقى في بلدنا وسنعود إلى بناء كل مبانينا وشركاتنا ولا سيما مرفأ بيروت، وذلك على أسس من الشفافية، وعلى ركائز الاقتصاد الأبيض وليس على ركائز الاقتصاد الأسود، لأنّ إعادة بناء المرفأ على أسس الإقتصاد الأسود تعني أننا سنُعرّضه إلى الإنفجار مرة ومرتين وثلاث مرات وأربع وأكثر. الحل الوحيد يكمن في إعادة بناء المرفأ على أسس الاقتصاد الأبيض والبنّاء والشفّاف والمنتج.
ما هو دائم، هي حقيقة بلدنا واقتصادنا ونجاحنا اللبناني الذي انتشر في كل أنحاء العالم، والذي لا يُمكن أن ينتهي. كما السفينة الفينيقية، التي كانت تخرج من هذا المرفأ ومن أي مرفأ فينيقي آخر، حيث صدّرت الحرف إلى العالم، لذا فإنّ سفينة الإقتصاد اللبناني ستخرج من كل لبنان ولا سيما من كل معابره لتصدير معرفتنا وحبّنا للحياة، وإعادة إعمار ما دُمّر، حيث عُرفنا أننا من روّاده، ولا يُمكن أن نتنكّر لهذه المعرفة المتعلّقة بالحياة والإزدهار والحضارة.
رسالتي إلى كل الشهداء والجرحى والمفقودين الذين راحوا ضحية هذا الإنفجار النووي بأنّ دماءهم لم تذهب هدراً، فهؤلاء شهداء الوطن الحبيب لبنان، وشهداء الإقتصاد وانفتاحنا على الحياة والحضارة، فيما أكرّر أن المسبّب الأساسي هو الفساد وعدم الشفافية والمحاسبة. فإذا لم نستطع أن نُحاسب الفاسدين والمجرمين اليوم، من المؤكد أنّ التاريخ سيُحاسبهم وسيرميهم في مزبلته، ولن ننسى هذا التاريخ المحفور في عقولنا وقلوبنا ودموعنا وقهرنا.