IMLebanon

«القصاص الآن!» لملاحقة أركان السلطة المُتورطين بالمرفأ

 

في بلد المآسي المتتالية التي يُنسي بعضها البعض الآخر، تبدو ملحة إقامة المبادرات التي تحفظ حقوق ضحايا تلك الكوارث من شهداء وأقربائهم والمتضررين جسديا ومعنويا، من النسيان، وهو ما يجري العمل عليه بعد إنفجار المرفأ الذي أدى الى استشهاد نحو 200 شخص وجرح الآلاف غير الأضرار المادية والمعنية كما تهجير الأهالي وتدمير كامل لأهم مرفق حيوي في لبنان، بعد أكثر من شهرين على حدوثه وفي ظل المخاوف المشروعة من لفلفة هذا الملف وحماية من تسبب به.

وتأتي في هذا الإطار مبادرة الحراك المدني لإبقاء جذوة القضية مشتعلة في ظل الخشية من محاولة تمرير للوقت غالبا ما كانت السلطات المتعاقبة تلجأ إليه. والحال أن مجموعات الحراك المدني، كاللبنانيين جميعا، يحملون أسئلة مشروعة قد تمر الذكرى الشهرية الثالثة للمأساة من دون الإجابة عنها. وأطلق «المرصد الشعبي لمحاربة الفساد» حملة شعبية ضمن فعالية «الحملة الوطنية للمحاسبة بانفجار المرفأ» تحت عنوان «القصاص الآن!»، لمتابعة القضية. وقد طرح الأسئلة التالية: أين أصبحت التحقيقات؟ لماذا لم تتم محاسبة أصحاب القرار الأساسيين من وزراء ورؤساء وكلهم كانوا يعلمون ويملكون سلطة إتخاذ القرار لإنقاذ الوطن والعاصمة والناس؟ متى سيتوقف تأثير التدخلات السياسية في عمل القضاء وننتهي من ظاهرة المظلات التي تحمي التابعين؟ متى تسقط مظاهر ووسائل هذه المنظومة الفاسدة؟

يريد الحراك إعادة تزخيم القضية لعدم نسيان ما حصل وعدم التأقلم، كما جرت العادة، مع الجرائم، والضغط على السلطة القضائية للكشف عن التحقيقات ومتابعتها، في موازاة توجيه الرأي العام للإستمرار في الضغط الشعبي لمتابعة القضية.

يُسهب جورج عازار من «المرصد» في شرح تفاصيل الحملة التي إنطلقت من أمام مكان «الجريمة الأخلاقية المضادة للإنسانية والتي حدثت في ظل نظام يضع أرباح شبكاته وداعميه فوق قيمة الأرواح وهو ما بات نهجاً في لبنان».

يأتي ذلك بالتزامن مع إنفجار مؤسف في الطريق الجديدة يستشهد به عازار معتبرا أنه جاء مصغرا عن انفجار المرفأ، بمعنى تخزين المواد التي من الممكن أن تدمر حيّا أو مدينة في سبيل جني الأموال على حساب الناس.

وبما أن هذه الجريمة تمثل بشاعة النظام الذي يزوّر ويلوّث ويعتبر قاصراً عن حل الازمات، فهي فجاءت على شاكلته، «لذا يجب أن نحاسب لأن المحاسبة هنا هي باب للعدالة الانسانية والقانونية والسياسية، وتأتي إستكمالا لحراكنا في 2011 و2015 وللثورة في 2019. إنه باب جديد للمواجهة مع هذه السلطة».

يريد أصحاب هذه المبادرة ملاحقة التحقيقات وتفعيل مبدأ المحاسبة التي ستندرج ضمن منطلقات ثلاثة: أولاً، إبقاء الرأي العام مطلعا على ما يحدث عبر مؤتمرات صحافية وندوات مستمرة لتعبئة الطاقات والضغط للمحاسبة. ثانياً، تحريك الرأي العام عبر سلسلة من التحركات وإعتصامات أمام دور القضاء، في موازاة فضح أي جهة تعرقل مسار التحقيق وتتهاون به. ثالثاً، تنظيم الرأي العام، وتم على هذا الصعيد إطلاق عريضة إلكترونية للتفاعل مع الناس في سبيل الوصول إلى المحاسبة القضائية الفعلية والاقتصاص من كل المتورطين والمقصرين من دون إستثناء.

من بيروت إلى المناطق

هذه المنطلقات يرى المنظمون أنها تفعل في عدم موت القضية، وهم يأملون توسيع «القصاص الآن!» إلى المناطق كبعلبك والنبطية وجبيل، مع جميع القوى الحية والجمعيات والأندية الثقافية وكل المعترضين على النهج الحاكم، حتى تكون الفعاليات مستمرة ولا تستشهد القضية كما حدث سابقا بسبب عامل التأقلم مع الوضع الحالي والمعيشي.

يُرحب المنظمون بكل المنضمين الى المبادرة وجميع القوى الفاعلة المنظمة التي قد يكون لها مشارب سياسية وطائفية مختلفة، لكنها مجمعة على هذا الموضوع لمحاسبة كل المسؤولين السياسيين والإداريين. وهم يحذرون مما يقال عن تحويل العقاب إلى فرضية الإهمال وعقوبتها القصوى ثلاث سنوات على أن تحسب مدة التوقيف من ضمنها، ما لا يتناسب مع فعل القتل والتدمير حتى ولو لم يكن متعمداً. فهذا الإنفجار لم يقع صدفة، إنما بفعل مقصود وتواطؤ واضح وإخلال فاضح ومتعمد في القيام بالواجبات الدستورية والتشريعية والقانونية والوظيفية والإدارية والأخلاقية والإنسانية والوطنية. وحسبهم أن ذلك يدخل في إطار الخيانة العظمى بعد تخزين مواد يؤدي إنفجارها الى معادلة الإنفجار النووي.

تتطلع الحملة الى زخم تمثل في حماسة شبابية وطلابية للانضمام إليها وهي ستتواصل مع كل الجهات لكي تنتقل من بيروت العاصمة نحو المناطق كون الجريمة هي بحجم الوطن. وقد بدأت عملية التوقيع على العريضة التي أطلقتها التي تطال «المسؤولين السياسيين من رئيس الجمهورية ورؤساء الحكومة ووزراء الأشغال العامة والنقل والمالية والدفاع والعدل. والمسؤولين الإداريين من مديرية الجمارك وهيئة إدارة المرفأ الدفاع المدني. والمسؤولين الأمنيين والعسكريين المقصرين الذين عملوا في المرفأ منذ تاريخ استقبال الباخرة من مختلف الأجهزة الأمنية من مخابرات جيش إلى أمن دولة إلى أمن عام وغيرهم».

وقد تبنى الموقعون مضمون الشكاوى كافة التي قدمت وخصوصاً شكوى نقابة المحامين لمحاكمة كل فرد ممن ذكر أعلاه تثبت مسؤوليته «بإرتكاب جريمة ضد الإنسانية، نتيجة القتل العمد والإبادة التي تحققت للمواطنين العزل والمعاناة الشديدة التي أصابتهم والأذى الكبير الذي لحق بحياتهم وأجسادهم وصحتهم البدنية والعقلية والتهجير الجماعي لعدد كبير من المواطنين».

وتضيف إلى ذلك «الجرائم المنصوص عنها في القوانين اللبنانية، من القتل والإيذاء والجرائم الواقعة على السلامة العامة وجرائم تلويث البيئة وهدر المال العام وإساءة إستعمال السلطة والإخلال بالواجبات الوظيفية وجرائم هدم وتدمير الأملاك العامة والخاصة والجرائم المنصوص عنها في قانون الأسلحة والذخائر وغيرها».