Site icon IMLebanon

من فجّر المرفأ معروف… فمن يجرؤ على الكلام؟

 

 

قبل اربعة اشهر ونصف الشهر وقع الانفجار المدمر في مرفأ بيروت، وبعدها بأيام تم تعيين القاضي فادي صوان محققا عدليا لكشف ملابسات هذه الجريمة بحق الوطن. واليوم وبعد ان تسيس هذا الملف نرى ان المحقق نسي الوقائع الدامغة لهذا الانفجار، وينبغي علينا انعاش ذاكرته.

 

أولا: يعلم القاصي والداني ان حزب الله يسيطر أمنيا على المرفأ وكذلك على المطار، والتقارير الامنية اللبنانية والعربية والدولية، تذكر ذلك، وتؤكد وجود خطوط امداد تجارية وغير تجارية يديرها الحزب من انحاء شتى في العالم نحو بيروت خصوصا ولبنان عموما، وبالتالي ينبغي التحقيق اولا مع الحزب حول شحنة نيترات الامونيوم، وهو المعروف عنه دوليا شراء كميات منها في مناسبات عدة، وفي بلدان مختلفة.

 

ثانيا: معرفة كيفية حصول الانفجار، والحقيقة انهما انفجاران اثنان لا واحد، حدثا تباعا بفاصل زمني صغير، وقبلهما كان ثمة حريق في العنبر المنكوب. واذا سألت اي خبير عسكري يؤكد لك ان الانفجار الاول سببه مقذوف ما، فجر الشحنة فكان الانفجار الكبير. فهل استند المحقق العدلي الى تقرير علمي – جنائي – عسكري – امني  ليبني استنتاجاته، ام أنه هرب الى مكان آخر، اي جعل القضية قضية اهمال فقط، لانه علم بالحقيقة وتجاهلها، او انه لم يعرفها من احد، فسلك أسهل السبل  باثارة الغبار السياسي الداخلي.

 

ثالثا: من المؤكد ان طيران الاستطلاع الاسرائيلي كان كثيفا في اجواء بيروت يوم 4 آب،  وتحديدا فوق منطقة المرفأ حيث حلقت طائرتان بشكل واضح للعيان، وتم تصويرهما من قبل مواطنين بالهواتف الخلوية. فهل عالج التحقيق هذه النقطة، ولنذكر ان المستفيد الاول من تدمير بيروت ومرفئها هو العدو الاسرائيلي، وفي توقيت مشبوه جاء قبل اشهر قليلة من انطلاق مسار التطبيع مع عدد من الدول العربية، بحيث ستتحول كل الحركة التجارية الى مرافىء الدولة العبرية.

 

المعروف ان اسرائيل تتبنى اي هجوم تنفذه اذا كان يخدم اهدافها السياسية، واذا كانت هي المسؤولة عن قصف مرفأ بيروت فانها لا شك لن تتبناه، بل ستنكره، لانه، كما اسلفنا، جريمة ضد الانسانية، ولا تستطيع اي دولة مهما بلغ اجرامها وعدوانيتها، ان تتحمل تبعاته الاخلاقية والقانونية والسياسية.. عدا عن الكلفة المادية لهكذا مسؤولية إذ تفرض على المرتكب سداد ما لا يقل عن 3 مليارات دولار.

 

وهنا، نعود الى حزب الله لنسأل: هل قدم لاسرائيل الذريعة لقصف المرفأ وتدمير المدينة من خلال تخزين شحنة النيترات طوال سنوات؟

 

ولنذكر كيف ان مسؤولا سياسيا بارزا سابقا قالها بالفم الملآن، ان اسرائيل قصفت اسلحة لحزب الله مخزنة في المرفأ.

 

رابعا: من المؤكد ان اسرائيل ستتبرأ من تهمة قصف المرفأ، وكذلك سيفعل حزب السلاح  بالتنصل من مسؤوليته عن تخزين نترات الامونيوم، واشياء اخرى، لا احد يعرف ما هي، في مستودعات المرفأ، مثل الصواريخ وغيرها.

 

خامسا: حققت في الانفجار فرق تقنية – امنية من دول عدة، جاء الاميركيون والفرنسيون والانكليز والروس والكنديون والاستراليون.. الخ، ولم يكشف اي منهم نتائج تحقيقاته، فهل أدخل الانفجار في اللعبة الاقليمية – الدولية التي يشكل حزب الله احد بيادقها.

 

قيل ان فرنسا ابلغت رئيس الجمهورية انها لا تملك صور الاقمار الصناعية لبيروت والمرفأ يوم الانفجار، وقد قيل العكس ايضا، اي ان ميشال عون اخذ علما بوجود هذه الصور، فهل وضعها بتصرف التحقيق العدلي؟ أم انه غض النظر انسجاما مع تحالفه الثابت مع حزب الله، وعدم التدخل او ازعاجه في أي شأن سياسي أو امني أو عسكري يخصه؟

 

وعليه نقول ان  الخطأ الذي ارتكبه المحقق العدلي القاضي  صوان بالادعاء على رئيس حكومة تصريف الاعمال وعلى 3 وزراء سابقين يتجاوز البعد الدستوري  – القضائي، ويتخطى حدود سوء التقدير السياسي، فهو ساهم، عن قصد، او عن غير قصد، بتضييع التحقيق في انفجار المرفأ، وحال دون معرفة الحقيقة كاملة. حقيقة يبدو ان اللبنانيين لن يعرفوها. وهذا ما يمكن ان يوصف بالتآمر.

 

انفجار المرفأ جريمة ضد الانسانية استهدفت مدينة وشعبا، وضخامته ليست من حيث قوته فقط، اذ صنف انه ثالث اكبر تفجير غير نووي في التاريخ، وانما أيضا بحجم الخسائر البشرية والمادية التي أحدثها.

 

هكذا جريمة لا يجوز التعامل بها بخفة، ولا يجوز ايضا ادخالها في زواريب السياسة الضيقة. وهذا بالضبط ما فعله القاضي صوان، اذ رمى كرة نار في المجلس النيابي، ولما جاءه الرد المناسب، قانونيا ودستوريا، من دولة الرئيس نبيه بري، عاد ورمى قنبلة صوتية كبيرة في البلد، أراد منها صم الآذان واغلاق العيون، حتى يضيع التحقيق. واذا كان قولنا هذا غير صحيح فالكرة في ملعبه، وليتفضل بتقديم ادلته او شبهاته التي بنى عليها الادعاء على البعض متجاهلا البعض الآخر من الذين سبق وذكرهم في رسالته الى مجلس النواب.

 

اليوم علق صوان التحقيق لعشرة ايام لسبب قانوني، والاولى به ان يتنحى نهائيا عن هذا الملف، لسبب اخلاقي بالدرجة الاولى، انه مدين بذلك لكل المتضررين من الجريمة، ولسبب قانوني ودستوري أيضا، فهو الذي أخذ التحقيق الى حلبة المنازعات السياسية الداخلية.

 

يقال ان القاضي صوان سيس الملف بضغوط من العهد الذي اراد ان يصيب عصافير عدة بحجر واحد: تضييع التحقيق، والمس بالرئاسة الثالثة والدستور والطائف (الذي لم يعترف به يوما)، وتصفية حسابات سياسية مع خصوم الصهر جبران.

 

حقيقة الامر انه لا عهد في لبنان، ولا رئيس، ولا دولة، ولا وزارات، ولا ادارة، ولا اجهزة امنية وعسكرية. لا يوجد في لبنان الا الحزب الحاكم بقوة السلاح والمال. هو الخصم والحكم، المقرر الناهي، الممسك باللعبة السياسية من بواية الامن والعسكر. لذا فإن اتهام ميشال عون او اي مسؤول آخر، سواء كان رئيس حكومة أم وزير ام مدير، فيه بعض الظلم، لانهم كلهم خاضعون لسلطة الامر الواقع.

 

وحده يعتبر عون مذنبا بالتغطية على حليفه الاوحد حزب الله، وهو ذنب لا يغتفر.

 

من أجل ذكرى من فقدوا الحياة، ومن اجل ذويهم المفجوعين، ومن أجل الجرحى والمصابين، ومنهم من أصيب بعاهة دائمة، ومن أجل العائلات المهجرة من بيوتها، ومن أجل كل الدموع التي ذرفت على بيروت الجريحة، وقبل كل شي من أجل كرامة الوطن.. لا تضيعوا الحقيقة، واذهبوا الى من يملك السلطة والقرار بالحرب والسلم داخليا وخارجيا.