اللبنانيون لا يزالون في حالة صدمة. وكأنّها غيبوبة تصيب من هو بكامل وعيه. لم يستفيقوا بعد من الكابوس ولم يعوا بعد حجم الكوارث التي حلّت بهم لتنضم إلى جبل الكوارث الموجودة أصلاً. إنّه أشبه بزلزال مدمّر، التهم كل شيء من حوله. بيروت منكوبة. إنّه أقل الأوصاف الممكنة. أما ما بعد الانفجار، فتلك مسألة أخرى. كيف سينفجر غضب الناس؟ وبوجه من؟ وهل سيكون دوي انفجار الرابع من آب فتيل اشتعال ثورة جديدة؟ حتى اللحظة، يبحث اللبنانيون عن مأوى ومأكل ومشرب بعدما تشرد مئات الآلاف واصيب الآلاف بالجراح واستشهد أكثر من مئة شخص. لا تزال الدماء والركام على الأرض. ولكن حين يستيقظ اللبنانيون من كابوسهم، قد يكون لهم كلام آخر. سارع الأمين العام لـ”تيار المستقبل” أحمد الحريري إلى مطالبة السلطة القائمة بالرحيل. ويقصد بها حكومة حسان دياب. قبله كان رئيس الحزب “التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط يغرّد قائلاً: “كم هذه الوزارة ومن يحميها محلياً وإقليمياً فيها لعنة وشؤم على اللبنانيين”… ومعهما سيصب جزء من الشارع اللبناني جام غضبه على الحكومة ورعاتها السياسيين.
لا شك بأنّ فكرة استقالة الحكومة والاتيان بغيرها خطرت ببال بعض القوى السياسية الراعية لها، في محاولة لامتصاص نقمة الشارع والبحث عن صيغة حكومية جديدة من شأنها أن تخفف من هول المصيبة. ولكن هل ستتيح أي صيغة بديلة حلّاً ممكناً؟ لم يجد أي من الباحثين عن معالجات سريعة، أجوبة مقنعة. فبقيت تلك الأفكار ضمن الغرف المغلقة. دخل رئيس الحكومة حسان دياب جلسة مجلس الوزراء التي عقدت أمس برئاسة رئيس الجمهورية ميشال عون، وهو مقتنع ومتأكد أنّ حكومته باقية. لا هو بوارد رمي ورقة الاستقالة بوجه مؤيديه أو معارضيه، ولا يرى أصلاً حكومته في موضع الاتهام كي تلقى على عاتقها مسؤولية الزلزال الذي طال العاصمة… ولا حكومة بديلة قد تولد سريعاً ومن شأنها تجرع الكأس المر. لا بل يرى دياب وفق المطلعين على موقفه إنها فرصة ذهبية للضرب بيد من حديد والذهاب مباشرة نحو الاجراءات الاصلاحية بدءاً من ملف المواد المتفجرة التي تسببت بتلك الكارثة. ولهذا يقول هؤلاء إنّه لا تراجع عن قرار الحكومة بمحاسبة المرتكبين. لا بل سيكون هذا القرار هو بداية قرارات كثيرة ستتخذ في المجال الاصلاحي، ليكون يوم الرابع من آب نقطة تحول في أداء الحكومة، وفي أداء الدولة بشكل عام.
ويشير هؤلاء إلى أنّ هناك مسؤولية وطنية ملقاة على عاتق الحكومة ورئيسها ولذا قرروا عدم الهروب الى الأمام من خلال الاستقالة وترك البلاد في هذه اللحظات العصيبة لشغور قد يولد المزيد من الويلات. ولكن هذا لا يعني أبداً أنّ الحكومة هي التي تتحمل تبعات كل ما جرى خلال الحكومات السابقة. ومع ذلك يصر رئيس الحكومة على عدم الدخول في سجالات ويعتبر أنّ الوقت هو وقت العمل للملمة الكارثة لا الكلام.
ولكن في موازاة ارتفاع منسوب الاعتراض بوجه الحكومة، ثمة سيناريوات تتحدث عن تدويل القضية اللبنانية من خلال رفعها إلى مجلس الأمن في تكرار لمشهدية 14 شباط 2005، في ضوء المطالبات بتأليف هيئة تحقيق دولية قد يراد منها أن تصل إلى “حزب الله” وتحميله مسؤولية الزلزال الذي وقع تحت عنوان أن المخزن كان يستخدم لأسلحة وصواريخ تعود إلى “الحزب”. لكن بالنسبة للمطلعين على موقف دياب، لا معطيات لديهم من خلال سلسلة الاتصالات الدولية التي تلقاها رئيس الحكومة تشي بأنّ ملف الانفجار قد يسلك طريقاً دولياً خصوصاً وأنّ بعض المعطيات باتت واضحة للعلن لجهة وجود كميات “نيترات الأمونيوم” المخزّن من العام 2014، في مقابل غياب المعطيات التي تشير إلى أنّ العمل من فعل فاعل عن قصد.