لا تُخمد حرائق الأسئلة المعجونة بالقهر التي أشعلتها وتشعلها جريمة تفجير مرفأ بيروت. والمرتجى ألّا تخمد إلا عندما تطفئها الحقيقة والعدالة.
لكن مسار الأمور يتجه أكثر فأكثر إلى تمييع التحقيقات لتفريغها من أي تقصٍّ جدي بغية قتلها، بعد إغراق الرأي العام بقرف التجاذبات والتراشق بالمستندات والمذكرات والإتهامات، فيما المطلوب واحد.
فالمعلومات التي تتكشف، تشير إلى أن البحث لا يزال جارياً عن كبش المحرقة الفظيعة لبيروت وأهلها بين المتورطين بالسكوت عن الجريمة. وكل الملفات المفضوحة تشير الى انهم كلهم، ويعني كلهم من سياسيين وأمنيين وقضاة، كانوا يعرفون. وكلهم، ويعني كلهم، مسؤولون ومجرمون. إما لأنهم من عظام رقبة التركيبة أو مستفيدون، أو لا حول لهم ولا قوة إلا بالبقاء “شاهد ما شافش حاجة”، عندما كان يتم نقل أطنان النيترات جهاراً نهاراً من العنبر رقم 12 إلى الشاحنات، ومن ثم إلى حيث تتحول وقوداً للبراميل المتفجرة.
وتفووو… على مهزلة المراسلات والإجراءات ورفع المسؤوليات والحصانات، وعلى تعقيد التحقيقات بحيث تؤدي الى صراع بين أمن وقضاء، وتناسي الشاحنات والرافعات وعبور الطريق الدولي واجتياز الحدود.
وتفووو، عندما تصل الأمور الى تفاصيل إحجام رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب عن زيارة المرفأ، الذي بحث في الانترنت عن ماهية النيترات ليكتشف أنها مواد تستخدم في الزراعة. ولم يسأل خبراء في الأجهزة الأمنية يفترض أنهم المرجع الصالح لذلك. ولم يعلن عن هوية من نصحه بالبقاء مرتاحاً في السراي، ولا لزوم لهمروجة إعلامية ترافق زيارته المكان وتفقد الوضع والتصريح بما كان يمكن أن يضيف إلى رصيد إنجازاته.
على أي حال، من أحضر النيترات لا يسأل ولا يهتم، لذا كان يعطي التوجيهات للمسؤولين السياسيين والأمنيين والقضائيين بأن يصمتوا… ويتجاهلوا. وهذا ما حصل.
ولكن لماذا وقعت الجريمة؟ وأي ظروف استوجبت التخلص ممّا تبقى من محتويات العنبر رقم 12؟ هل هي بفعل فاعل أو بيد العدو الصهيوني أو بحادث عابر، لتتولّد عنه جرائم متتالية عابرة.
مرة ثانية، من أحضر النيترات لا يسأل ولا يهتم، فهو انتقل ألى المرحلة الراهنة القاضية بالتخلّص من الشهود، كما تبيّن متابعة زوجة جو بجاني وهي تشير إلى أن الأجهزة الأمنية حرصت على سرقة الأدلة من منزلها، ومعاملة قضية إغتيال زوجها وكأنه المشتبه فيه الثابتة إدانته، مصنفة الجريمة في إطار “إما مخدرات… أو نسوان… أو قمار”.
والظاهر أن إعدام لقمان سليم سيبقى من دون تحقيق، وكأن كل جهود الجهات المعنية هي سرقة الأدلة التي ربما يملكها وتدين المرتكبين.
وبعدها يأتي دور المتورطين فتتم إزاحتهم لتنظيف الملف.
ولا انتظار، فقد صدر الحكم بانتهاء التحقيق وختمه بالدم. وذلك بعدما وصلت مواصيل التحقيقات الإعلامية وليس الأمنية والقضائية إلى رجال أعمال سوريين محسوبين على النظام الأسدي، فكان لا بد من إزاحة صوان بتهمة الإرتياب المشروع.. وفهمنا كفاية.
وبناء عليه، ممنوع الاتهام بالمنطق وليس فقط بالسياسة. ومسموح كمّ أفواه وسائل الإعلام.
وتفووو.. على كل ما يجري، وتحديداً عندما تقول والدة أحد ضحايا المرفأ إنها لن تأكل من دم ابنها.. لأنها حينها ستكون أمّاً عاطلة.
فهذه الأم ترفض التعويض المادي ثمناً لتضحية إبنها ولا تعتبره شهيداً بل مظلوماً.
ماذا بعد؟؟
مع الأسف لا شيء مفيد ولا جدوى من كل هذا القهر.. ورغم ذلك… تفوووو…