باتَ محسوماً أنه لن يصار إلى التجاوب مع طلب المحقق العدلي في جريمة تفجير المرفأ القاضي فادي بيطار إلا بشروط. فـ«إما أن تشمل قراراته كل المسؤولين المعنيين الذين تعاقبوا على المراكز منذ لحظة وصول نيترات الأمونيوم إلى مرفأ بيروت إلى حين انفجارها، وإلّا فإن… السياسة بالسياسة تذكَر»
غداة الكتاب الذي أرسله المُحقق العدلي في جريمة تفجير مرفأ بيروت القاضي طارق بيطار إلى مجلس النواب، طالباً رفع الحصانة عن كل مِن الوزراء: علي حسن خليل، غازي زعيتر ونهاد المشنوق، بصفتهم نواباً في البرلمان، تمهيداً لملاحقتهم والادعاء عليهم بـ «جناية القصد الاحتمالي لجريمة القتل وجنحة الإهمال والتقصير»، تُطرَح علامة استفهام عما إذا كانَ هذا المسار سيُستكمَل كما أراده بيطار، أم سينحو في الاتجاه ذاته الذي سلكته ادّعاءات سلفه القاضي فادي صوان؟
الأمر يخضَع لنقاشات بينَ المعنيين بالملف، كما الوزراء المذكورين ومعهم الوزير السابِق يوسف فنيانوس لتحديد الخطوات المقبلة، علماً بأن الأخير لا يشمله الكتاب باعتباره ليسَ نائباً حالياً. في المرة السابقة، تقدّم الوزيران خليل وزعيتر بمذكرة أمام النيابة العامة التمييزية طالبا فيها بنقل الدعوى إلى قاضٍ آخر، مستندين الى خرق صوان للدستور بادعائه عليهما من دون المرور بمجلس النواب الذي يمنحهما حصانة دستورية. أما وإن بيطار قد سعى إلى تفادي هذه الثغرة وراعى الأصول الدستورية بطلب الإذن من المجلس لحماية خطوته من أي انقضاض سياسي عليها، إلا أن ذلِك لا يعني أنه لن يُواجَه بـ«مطالعات» من شأنها أن تفرّغ نصوصه من أساسها.
تقنياً، وبعدما وصلت طلبات رفع الحصانة أول من أمس إلى مجلس النواب عبر وزيرة العدل، سيُعقَد يوم الجمعة اجتماع مشترك بينَ هيئة مكتب المجلس ولجنة الإدارة والعدل في مقرّ الرئاسة الثانية في عين التينة لدراسة الطلب، وذلِك قبلَ إحالته إلى الهيئة العامة للمجلس ومن ثم التصويت عليه بأكثرية الثلثين.
إلا أن الحديث عن مخارِج لردّ الطلب بدأ قبل الاجتماع، بحسب ما لفتت مصادر نيابية بارزة، ومِن بينها:
أولاً، إمكانية اللجوء إلى المادة 40 من الدستور التي تنصّ على أنه «لا يجوز أثناء دور الانعقاد اتخاذ إجراءات جزائية نحوَ أي عضو من أعضاء المجلس أو إلقاء القبض عليه إذا اقترف جرماً جزائياً إلا بإذن المجلس»، وبما أن المجلس اليوم في حالة انعقاد فـ«لا يُمكن لأي من النواب مخالفة الدستور وإعطاء رأي مخالِف يجيز للقاضي اتخاذ إجراءات في حق زملاء لهم»، لأنه «خالفَ النص».
ثانياً، إثارة مسألة الجهة التي لديها صلاحية محاكمة الوزراء الذين يطلب القاضي رفع الحصانة عنهم كنواب. فبمعزل عن «وجود قرار بإبقاء الحصانة لحمايتهم من عدمها»، تُناقَش هذه النقطة اليوم من منطلق أن هناك مجلسين معنيين بالقضية: المجلس العدلي الذي أُحيل إليه الملف منذ البداية، والمجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء بما أنه المخوّل بحسب المادة 71 من الدستور. وبما أن الجهتين يرأسهما القاضي سهيل عبود، فإن الخلاف ليسَ على المرجعية التي ستحاكم الوزراء وإنما على الصلاحية. وبالتالي فإن أمر الصلاحية من شأنه أيضاً أن يكون محط انقسام وثغرة في مسار القضية. وبما أن المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء غير قائم حالياً، وبما أنه لم يقم يوماً بعمله، فإن إثارة هذا المسألة هي أقرب إلى تقديم «دفوع شكلية» في السياسة لا في القانون.
بدأ الحديث عن خلاف حول الجهة التي لديها صلاحية المحاكمة، المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء أو المجلس العدلي
ثالثاً، تشمل قائمة المخارج الادعاء الوزاري وفقاً للمادة 547 معطوفة على المادة 189 اللتين تتناولان «جرم القتل عمداً أو النتيجة الجرمية الناشئة عن الفعل أو عدم الفعل إذا كان الفاعل توقّع حصولها فقبل بالمخاطرة». وانطلاقاً من هنا، تسأل المصادر: هل الوزراء الذين وصلتهم المراسلات والمذكرات ووقّعوا عليها منذ عام 2014 توقعوا حصول هذا الحادث وقبلوا به أو وضعوا احتمالاً له؟ وإذا لم يكُن كذلك، فإن الجانب الذي تحدّث عن القصد الاحتمالي لجريمة القتل يصير لاغياً، ليبقى اتهام الإهمال هو القائم بما يحوّل فعلتهم إلى جنحة. فهل تُستخدم هذه النقطة للمطالبة بحصر الصلاحية بالمجلس الأعلى لمحاكمة الوزراء؟
أما سياسياً، فيرى المتضررون من قرارات بيطار أنها «تحمِل الكثير من التشكيك، لجهة الاستنسابية التي تعامل بها، من خلال ادعائه على جهات معينة وإهماله لأخرى من دون أن يكون هناك معيار واضح». ولأن السياسة بالسياسة تُذكَر، يبدو أنه تقرر «رفض طلب رفع الحصانة عن النواب»، كما رفض وزير الداخلية محمد فهمي «إعطاء الإذن بملاحقة اللواء عباس إبراهيم». وقد بدأ الكلام عن عدم التعاون مع طلب القاضي بيطار إلا بشرط أن تشمل قراراته «كل من له علاقة مباشرة أو غير مباشرة بأمر النيترات في المرفأ، أي استدعاء كل رئيس حكومة عمل خلال السنوات الماضية حين كانت المواد موجودة في العنبر الرقم 12»، بالإضافة إلى «استدعاء كل وزير عدل ووزير مالية ووزير أشغال في الفترة نفسها»، كما «كل قائد جيش وكل مدير مخابرات أو مسؤول أمني كانَ مطّلعاً ومعنياً منذ لحظة وصول المواد إلى لحظة انفجارها، وكل الجهات الأمنية الفاعلة في البلاد التي تجمَع معلومات وتتدخل في عمل المرفأ حتى لو لم تكُن لديها مكاتب هناك». ويضاف إليهم «عدد من الضباط الذين يعملون في قوى الأمن والجمارك وفي أجهزة أخرى مرتبطين بالملف».
كما «يُشترط» أن تشمل «كل القضاة والمحققين والعاملين في الحقل القضائي والضابطات العدلية المعنية والذين تعاقبوا خلال فترة وجود المواد»، فإما أن تتمّ ملاحقتهم جميعاً وبالطريقة نفسها، وإما لن يلقى القاضي بيطار تجاوباً مع طلبه.
وقالت المصادر إنه قبلَ تحديد المسؤول عما حصل، من الضروري أولاً أن تبادر الجهات القضائية الى بتّ الملف التقني من خلال تحديد الأسباب التي أدّت الى الانفجار لناحية نوعية التفجير والأدوات ومصارحة الناس بصورة مقنعة قبلَ تحديد المسؤوليات.