تواصل الطبقة الحاكمة سياستها المعهودة بمحاولة ضرب التحقيق الذي يقوده المحقق العدلي طارق بيطار من أجل حماية رأسها، لأنه يظهر جلياً أن هناك رؤوساً كبرى “رفيعة” متورّطة في قضية “نيترات الأمونيوم”.
يحاول الحكّام الهروب من قضية “النيترات” ويظهر كأنهم لا يدرون ماذا يحصل، فيما الحقيقة أن المسؤوليات في هذه القضية تتوزّع على الجميع من دون إستثناء.
وبدل ترك القاضي بيطار يقوم بواجبه الوطني المقدّس إجلالاً لشهداء الإنفجار وآلام الجرحى، ها هي بعض القوى السياسية تواصل لعبتها المفضّلة وهي محاولة الإلتفاف على التحقيق.
وفي السياق، يتمّ التصرّف في هذا الملفّ من قِبل بعض السياسيين من منطلق طائفي وليس وطنياً، فعلى سبيل المثال، فإن الرئيس سعد الحريري خاض معركة إنشاء المحكمة الدولية الخاصة بلبنان وسانده فيها معظم الشعب اللبناني ومُوّلت المحكمة من جيوب اللبنانيين، لكن المفارقة أنه عندما إستدعى المحقّق العدلي فادي صوّان رئيس الحكومة المستقيل حسان دياب للإستماع إلى إفادته “قامت الدنيا ولم تقعد”، وباتت الطائفة عند الحريري مهدّدة وأهل السنّة في خطر، وأنهى قطيعته لدياب وزاره في السراي داعماً تمرّده على القانون و”داعساً” على أوجاع أهالي الشهداء والمصابين.
ومن جهة ثانية، فإن الأمين العام لـ “حزب الله” السيّد حسن نصرالله لا ينفكّ يعلن مع كل إطلالة أن التحقيق في إنفجار المرفأ إنتهى ويجب إعلان النتائج، في حين أن رئيس مجلس النواب نبيه برّي يحمي وزيري حركة “أمل” ويحاول تجنيبهما الإستماع إلى إفادتيهما والإدعاء عليهما.
وهنا يُطرح سؤال جوهري وهو لماذا يتصرّف الثلاثي “الحريري ونصرالله وبري” من منطلق طائفي، فهل لأن الإنفجار وقع في منطقة ذات غالبية مسيحية؟ فهل لو لا سمح الله وقع هذا الإنفجار في الطريق الجديدة أو الضاحية لكانوا تصرّفوا من المنطلق نفسه؟
وما يزيد “الطين بلّة” هو تقدّم الثلاثي النيابي، أي كتل كل من “المستقبل” و”الوفاء للمقاومة” و”التنمية والتحرير”، بعريضة نيابية للإلتفاف على طلب القاضي بيطار الذي وجّه كتاباً إلى مجلس النواب طلب فيه رفع الحصانة النيابية عن كل من وزير المال السابق علي حسن خليل، وزير الأشغال السابق غازي زعيتر ووزير الداخلية السابق نهاد المشنوق، تمهيداً للادعاء عليهم وملاحقتهم.
وسلكت العريضة الثلاثية الممهورة بتواقيع نواب أغلبيتهم الساحقة مسلمين مسارها، وذلك تمهيداً لإنشاء لجنة تحقيق برلمانية تُحيل المعنيين إلى المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء في حال ثبوت التهم عليهم. وما يدعو إلى القلق أن النواب الذين وقّعوا على العريضة هم من غالبية إسلامية وينتمون إلى الكتل الثلاث المذكورة، في حين أن وجود نواب مثل هادي حبيش وميشال موسى هو بمثابة إعطاء ديكور لهذه العريضة، ويعلم الجميع أن هناك عدداً من النواب المسيحيين دائماً في كنف الكتل “الإسلامية”، في حين أن الكتل المسيحية الكبرى وعلى رأسها “لبنان القوي” و”الجمهورية القوية” ونواب آخرون لم يوقّعوا على هذه العريضة.
وأمام كل ما يحدث، يتمّ التساؤل عن سبب مسايرة الحريري لـ”الثنائي الشيعي” في هذه القضية إلى هذا الحدّ، وهو إبن الشهيد رفيق الحريري ويعتبر نفسه أميناً على “الطائف” والعيش المشترك ويتكلّم دائماً باسم بيروت، لكن للأسف ظهر أنه يعود إلى زمن الحرب ولا يهمه إلا بيروت الغربية بعدما نبذ الشعب كل تلك المصطلحات والتسميات.
ومن جهة أخرى، فإن “حزب الله” لديه مصلحة كبرى في ضرب نتائج التحقيق وفرملة إندفاعة القاضي بيطار، لذلك وجد في برّي الشخص الذي يُفتي تشريعياً ويستعمله من أجل ضرب التحقيق.
يُصرّ أهالي الشهداء والجرحى على معرفة الحقيقة كاملة، مثلهم مثل كل الشعب اللبناني، لذلك فان مثل هكذا عريضة طائفية موقّعة من نواب من غالبية معروفة لن تصل إلى أي نتيجة، لأنه مهما حاول الحكّام الإلتفاف على التحقيق فإن الحقيقة ستظهر عاجلاً أو آجلاً وستكشف الرؤوس المتورّطة.