IMLebanon

صيداوي ناجٍ من انفجار بيروت يستعيد ذكرياته: غيّر مصير حياتي… ومساري إلى عملي

 

“لبنان لن يستقيم حتى تتمّ محاسبة الفاسدين وكشف الحقيقة”

 

 

يستعيد الصيداوي محيي الدين حفوظة بمرارة لحظات نجاته من الموت بالانفجار الكارثي في مرفأ بيروت في الرابع من آب العام الماضي، وذلك اثناء عودته من عمله في احدى الشركات في الضبية الى مدينة صيدا، حيث صودف مروره بالقرب من المدخل، فأصيب بجروح مختلفة ما زالت ندوبها ماثلة ذكريات اليمة حتى اليوم، وقد غيرت مسار طريقه الى عمله اليومي، ومعه مصير حياته، بعدما بدأ يفكر جدّياً بالهجرة من لبنان، البلد الذي أحبّ وعاد اليه بعد غربة عمل في الخارج استمرت خمس سنوات.

 

في منزله في بلدة كفرجرا – شرق صيدا، يحاول الناجي حفوظة ان يتناسي ما جرى معه، فرغم مرور عام على الانفجار، ما زالت قصص الناجين والمصابين تُدمي القلوب وتدمع لها العيون، لم تلتئم جراحهم النازفة بعد، خاصة مع انتظارهم كشف الحقيقة من دون جدوى، يقول لـ”نداء الوطن”: “ان الحادث مأسوي والذكرى اليمة وتمرّ ثقيلة على ذوي الشهداء وكل مصاب وجريح ومتضرّر، فالدولة غائبة عن السمع ولم تقف الى جانب هؤلاء في أقلّ واجباتها، في تخفيف معاناتهم بكشف الحقيقة او بالتعويض عليهم بما يستحقّون، نحن نعيش اليوم تداعيات جريمة العصر، وللاسف يختلفون على رفع الحصانة عن الوزراء والنواب”، متسائلاً: “كيف سنصل الى الحقيقة اذاً”؟

 

يروي حفوظة تفاصيل ما جرى معه يوم الانفجار ويقول: “كنت عائداً الى صيدا من عملي في الضبية عبر اوتوستراد انطلياس، وكان الدخان الاسود يتصاعد من العنبر 12 في المرفأ، اعتقدت انه حريق عادي، واكملت الطريق وشاهدت الناس على حدوده تصوّر عبر الهواتف ما يجري، تردّدت عندها اي طريق اسلك، الى ان وصلت الى قرب المدخل، فصدمت من مشهد الناس وهي تركض بسرعة من الداخل الى الخارج وسط خوف ووجوم، البعض على الاقدام، والبعض الآخر بالدراجات او السيارات، ومن صراخ يعلو باستمرار: غادروا المكان والسيارات… وما هي الا ثوان حتى حصل الانفجار الكبير، طرت في الهواء من شدّة عصفه، فصحوت بعد دقائق ووجدت نفسي مع الصليب الاحمر في اول الخندق الغميق”.

 

ويضيف: “حاولت استعادة انفاسي وتركيزي معاً، شعرت بهذيان ودوران، فطلبت من الموجودين نقلي لاستعادة سيارتي، وعلى طول الطريق كان المشهد فوق الوصف بل خيالياً، اشلاء، جرحى، دماء ودمار، وسيارات اسعاف وفرق انقاذ، اعتقدت انني لم اجدها ولكني عدت بها الى الخندق الغميق وهناك فقدت الوعي مجدّداً، اتصلت بزوجتي وابلغتها بالانفجار واتصل اخي اسماعيل وابلغته انني بخير وفي اول خلدة، لم ادرك اين كنت وقتها، فطلب مني البقاء في مكاني لاننا قادمون اليك، وصلوا الى خلدة ولم يجدوني، فاعاد الاتصال مرة اخرى، وطلب مني ارسال الموقع، الى ان وصل اليّ وغبت عن الوعي، وعندما صحوت وجدت نفسي في مركز لبيب الطبي في صيدا اتلقّى العلاج من الجروح التي اصبت بها وبقيت تحت المراقبة للتأكد من عدم وجود اي نزيف والحمد لله نجوت بأعجوبة”.

 

اليوم، يحاول حفوظة تناسي الذكرى وطي صفحة الالم، يؤكد “لقد اثّرت بي كثيراً وتركت جرحاً لا يندمل، بقيت اياماً كثيرة ابكي كلما رأيت عائلتي وأهلي، كانت دقيقتان فاصلتان في رحلتي بين الموت والحياة، من الصعب النسيان فهذه التفاصيل تسكن بداخلي ولا تغيب، لقد تحوّلت هواجس خوف لا تنتهي، في بلد تمشي فيه بأمان الله وفجأة يحصل انفجار او حادث بسبب فساد او اهمال او تقصير، والناس تدفع الثمن، لقد غيرت مسار طريقي الى العمل ومعه بدأت افكر بتغيير مصير حياتي، أفكر بالهجرة ولكن جائحة “كورونا” أوقفت كل شيء، لم اعد اشعر بالامان والاستقرار في لبنان البلد الذي احببت وعدت من سفري من اجل بناء مستقبل اولادي، الآن اشعر بالخوف عليهم واعيش توتّراً كبيراً”.

 

في المدينة، يحظى حفوظة باحترام وتقدير كبيرين، فهو كشفي منذ الطفولة، وناشط اجتماعي، وكثيراً ما قاد مبادرات خيرية منذ بدء الازمة الاقتصادية والمعيشية لمساعدة الناس وخاصة في احياء وحارات صيدا القديمة حيث ولد وعاش حياته، وهو مناضل في الساحات ولم يتركها منذ انتفاضة 17 تشرين الاول، ما زال يطالب بالتغيير، ويقول: “لبنان لن يستقيم الا بمحاسبة الفاسدين والمسؤولين عمّا جرى في مرفأ بيروت، ولكن التجارب محبطة وغير مشجعة، لم تصل اي قضية او جريمة الى القضاء… الا وجرى تسييسها، نأمل من المحقق العدلي طارق بيطار ان يكشف الحقيقة، ولا يستجيب لاي ضغوط ويطفئ لهيب النار لذوي الشهداء والجرحى والمتضررين”.

 

ولا يُخفي حفوظة عتبه الشديد على الدولة ومؤسساتها وحتى الجمعيات الاهلية الذين لم يعوضوا على المصابين حتى اليوم رغم كل الضجيج، قائلاً: “اعلنت وزارة الشؤون الاجتماعية عن تسجيل الاسماء، ووضعت خطاً واحداً، فاذا كان هناك نحو 22 الف متضرّر، فان الامر يحتاج الى سبعة اشهر وعشرين يوماً للتسجيل اذا كان حظك جيداً ولم يكن الخط مشغولاً، انها الدولة الغائبة عن السمع وعن تأمين ابسط حقوق مواطنيها، ولا نتأمّل خيراً منها على الاطلاق”.