IMLebanon

حقيقة الانفجار معروفة… من يجرؤ على قولها؟ (2)  

 

 

رغم مرور عام على تفجير مرفأ بيروت، الذي اعتُبر أسوأ انفجار غير نووي، لا تزال آثار الحادث تؤثر على مستويات مختلفة داخل البلاد… وحتى اليوم لم يستطع أحد أن يشفي غليل ذوي القتلى والمصابين، وسط أزمات صحية واقتصادية وسياسية، يعيشها لبنان في عهد الرئيس ميشال عون..

 

في الحلقة الأولى من «حقيقة الانفجار»، أمس بيّنا بالأرقام هول الفاجعة، وسلّطنا الضوء على بعض تفاصيل مجريات التحقيق في القضية… وها نحن اليوم نتابع في الحلقة الثانية تساؤلاتنا علّنا ننجح في تسليط الضوء على ما حدث، بهدف كشف هويّة المجرمين القتلة.

 

لقد حوّل انفجار الرابع من آب، الذي أعادت السلطات أسبابه، إلى تفجير كمية ضخمة من نيترات الأمونيوم كانت مخزّنة من دون تدابير وقائية، بيروت إلى مدينة موت، فدمّر أحياء واقتلع أبواباً ونوافذ حتى في ضواحي العاصمة، وخلّف صدمة لم يشفَ اللبنانيون منها بعد.

 

لقد تبيّـن مما سُرّب من تحقيقات مواكبة لعملية التفجير، أنّ مسؤولين سياسيين وأجهزة أمنيّة وعسكرية، كانوا على علم بمخاطر وجود 2750 طناً من نيترات الأمونيوم مخزّنة في العنبر رقم 12 في المرفأ.

 

أقول حتى اليوم، لم يحصل اللبنانيون على أجوبة عن أسئلتهم: من أتى بهذه الكمية الضخمة من نيترات الأمونيوم؟ ولماذا تُركت طيلة هذه المدة (7 سنوات)؟

 

لقد تبيّـن في معلومات موثوقة بأنّ الوسيط الذي اشترى شحنة النيترات وأرسلها هو وهمي، ما يثير الكثير من الشكوك حول ان الرحلة كانت معدّة لتكون وجهتها النهائية بيروت وليس الموزمبيق.

 

إنّ اللبنانيين يعرفون بالتأكيد أنّ هناك أطناناً من نيترات الأمونيوم كانت مخزّنة في المرفأ (العنبر 12)، وكلهم يعرفون أنّ المواد هذه نُقلت على متن الباخرة «روسوس» ووصلت في 22 تشرين الثاني 2013 وخزنت إلى لحظة تفجيرها في 4 آب 2020.

 

أقول: بعد تفجير مرفأ بيروت في 4 آب، أكد المتحدث باسم مصنع موزمبيق، أنه لم يعقد صفقة مباشرة مع مصنع جورجيا الذي صُنعت فيه نيترات الأمونيوم، بل قال إنّ الصفقة نُقلت عبر وسيط، هذا الوسيط هو شركة «سافارو». أما العقد الموقّع بين المصنع في جورجيا وبين «سافارو» فيشير إلى ان كل ما يتوافر من معلومات عن «سافارو» هو عنوانها فقط.

 

بعد عام على وقوع الانفجار… لم يهدأ غضب اللبنانيين، لكنهم أيضاً يبدون متعبين، وكأنّ التشاؤم سيطر على الكثيرين منهم.

 

كان موقف فخامة رئيس الجمهورية لافتاً حين طلب من مدعي عام التمييز القاضي غسان عويدات الاستماع إلى إفادته… والسؤال: لماذا الانتظار سنة كاملة لطلب المدعي العام زيارة القصر الجمهوري… فهل قضية «أبو عدس» في البحث عن قتلة الرئيس الشهيد رفيق الحريري، تعيد نفسها اليوم من خلال «أبي عدس جديد».

 

من جهة أخرى، أكد القاضي طارق بيطار أنّ التقصير في الواجب هو الذي أدّى إلى ارتكاب جريمة التفجير… فهل بات هناك قانون جديد في لبنان، يجعل الإهمال يرقى إلى درجة الجريمة؟ وهل أصبح القانون في وطننا وجهة نظر؟!

 

ونتساءل أيضاً: ماذا عن التلحيم، ومن اختار العنبر رقم 9؟ ولماذا تمّ اختراع عملية التلحيم بعد 7 سنوات بالتمام والكمال.

 

إنّ اقتصار النقاش والتحقيق على «كيف انفجرت النيترات، لن يؤدي إلى نتيجة؟ بل الأهم من هذا كله، يجب التركيز على «لماذا أتت إلى لبنان؟ ومن جاء بها؟ ولماذا؟ وكيف بقيت طوال هذه المدّة؟ ومَن كان يسحب منها أطناناً بالجملة وإلى أين يأخذها؟

 

أنا أؤكد جازماً أنّ الموضوع تحوم حوله شبهات عدّة… فأن تكون أمام شحنة حسّاسة كهذه بين مصنعين كبيرين، ولسنا قادرين على الوصول إلى الشخص الذي لعب دور الوسيط… فتلك لعمري علامة استفهام كبيرة؟

 

خلاصة القول: إننا بتنا أمام ثلاث محطات مشبوهة:

 

1- مصنع موزمبيق رفض تحمّل المسؤولية، لأنه طلب البضاعة عبر وسيط تبيّـن أنه وهمي.

 

2- مصنع جورجي غيّر إدارته بعد سنتين من الشحنة.. فلماذا؟

 

3- وسيط بريطاني مفترض، مُتَخفٍّ عن الأنظار ويبقى التساؤل الأكبر أمام القاضي بيطار: ليكن التحقيق شفافاً وجدّياً… ولنعمل على كشف اسم المستورد الحقيقي، وما كان هدفه؟ وأخيراً الإجابة على تساؤلات المتابعين إنصافاً للحق ولذوي الضحايا.

 

يبقى هناك تساؤلات حول اغتيال المصوّر جو بجاني: لماذا قتل؟ وهل سبب اغتياله بهذه العملية التي لا يستطيع القيام بها إلاّ جهاز أمني على مستوى دولي هو التفجير؟ وهل سبب اغتياله في الصباح الباكر أمام منزله وفي ضيعته والهرب بطريق «القادومية»  لها علاقة بالجريمة الكبرى التي أدّت إلى تفجير مرفأ بيروت؟ وهل تصوير الطائرات الإسرائيلية التي شاركت في العملية هو السبب..؟

 

قضية ثانية كانت أيضاً لافتة هي اغتيال الصحافي والسياسي الكبير لقمان سليم بعد اختطافه في الجنوب… حدث ذلك بعد أن أعلن سليم أنّ هناك ارتباطاً بين سحب كميات الأمونيوم من المرفأ على دفعات وبين تصعيد العمليات العسكرية التي كان الجيش السوري يقوم بها بإلقاء البراميل المتفجرة على الشعب.

 

وأشير أخيراً إلى أنه وبعد حوالى أربعة أشهر على انفجار مرفأ بيروت، عثر على العقيد المتقاعد في الجمارك منير أبو رجيلي مقتولاً في منطقة قرطبا… ومقتل أبو رجيلي أعاد إلى أذهان اللبنانيين اسم العقيد المتقاعد في الجمارك جوزيف سكاف الذي قتل عام 2017 بظروف غامضة، وهو كان رئيساً لشعبة مكافحة المخدرات ومكافحة تبييض الأموال، وسبق له وأخطر سلطات الجمارك بعد أربعة أشهر على وصول باخرة «روسوس»، أن مادة الأمونيوم شديدة الخطورة وتشكل خطراً على السلامة العامة.

 

كلها أمور قد تكون مترابطة… فهل يعمد القاضي طارق بيطار إلى كشفها بشفافية أمام الناس؟