خطوة إلى الوراء خطاها بالأمس الرئيس المكلّف نجيب ميقاتي ومحاولة بثّه تفاؤلاً وهمياً بأن الأمور تسير وأن الاعتذار ليس في قاموسه هو مجرّد دعاية لا أكثر ولا أقلّ.. الحاضر والغائب باتا يعرفان أنّ هذا العهد لا يريد حكومة لا يستطيع السيطرة عليها والتحكّم فيها، وأنّ كلّ الدّعم الخارجي والرّغبة الماكرونيّة ومعها رغبة الاتحاد الأوروبي في تشكيل الرئيس نجيب ميقاتي حكومة في أسرع وقت مصيرها كمصير تجربة من سبقه أو من قد يلحق به، لذا زيارات قصر بعبدا الاثنين والخميس على طريقة «أبو نجيب خود وجيب» لن تسفر عن تشكيل حكومة، وسيسمع ميقاتي من سيّد القصر الجملة نفسها التي سمعها الرئيس سعد الحريري «الهيئة مش رح نتّفق»!!
مشهد يوم 4 آب يضعنا باختصار أمام حقيقة صارخة: نحن أمام دولة مجرمة بكلّ مقاييس الإجرام، وليس أي أنواع الجريمة، بل الجريمة المنظّمة، دولة تستيقظ على تفجير مرفئها ودمار نصف العاصمة ويبقى رئيسها ومسؤولوها في غيبوبة التّجاهل والتّمادي والاسترسال به من دون أدنى اعتبار لما سيصيب شعبها بسبب التغاضي عن تخزين نيترات الأمونيوم في العنبر المشؤوم. مشكلتنا كشعب أنّ ذاكرتنا مثقوبة، وأننا لا نحاسب هذه الدّولة. هل يوجد مواطن لبناني واحد تسعفه ذاكرته عن خبر من العام الماضي وبُعيد تفجير المرفأ عن اكتشاف ثلاثة أطنان من المخلّفات الهيدروجينيّة في معمل الذوق للكهرباء وقيل إنّه تم نقلها والتخلّص منها بدفنها في جرود كفرذبيان، لم يتابع أحد هذا الخبر ولا الإجراء الذي اتخذّ ولا شاهد اللبنانيّون في وسيلة تلفزيونيّة واحدة عمليّة التخلّص من هذه المخلّفات، هذه دولة مجرمة بكل المقاييس فمن لم يمت من شعبها بتفجير المرفأ ستقتله بالتلوث البيئي السرطاني، هذه دولة لا تعرف كيف تتخلّص من مواد خطيرة متفجرة وتكذب على شعبها وتلفلف القضايا، وفوق هذا هي دولة غبيّة لم تفكّر طوال عام كامل منذ 4 آب حتى في أن تستعين بخبرة الدول الهاجمة لتقديم المساعدة للشعب اللبناني وتقبل بلجنة تقصّي حقائق لأنّها دولة لا تريد أن يعرف الشعب حقيقة ما حدث في العنبر رقم 12، فهل هذه دولة تؤتمن على تكرار تشكيل حكومات يخترعون لها أسماء؟ وهذه المرّة يتقاسمون حصصها ويسمّونها «حكومة مهمّة»!!
كلّهم كانوا يعرفون بالمواد شديدة التفجير في المرفأ وتلقّوا تقارير تحذّرهم من أنّ انفجار هذه المواد سيدمّر العاصمة بكاملها ومع هذا أكلوا وشربوا وناموا وحكموا، بأي عين سيواجه رئيس الجمهوريّة الشعب اللبناني وهو غارق في تناقضه فحيناً يقول «ما عندي صلاحيات للتدخل بالبور» وحيناً يقول «أنا الجنرال ميشال عون بتعرفوني بالسلم والحرب»؟! أي رئيس جمهورية يصله تقرير عن مواد خطيرة شديدة الانفجار تهدد بتدمير عاصمة الوطن الذي يحكمه فيعتبر أن موت الشعب ودمار العاصمة ليس من صلاحياته؟ لماذا لم يخاطب من هو من صلاحياته هذا الأمر، أم أنّ صلاحياته تقتصر على التعطيل فقط؟!