انفجار 4 آب في مرفأ بيروت وَحّدَ جميع اللبنانيين حول هدف وحيد، هو: نريد أن نعرف من قتل أبناءنا؟ فهل هذا الطلب كثير؟ طبعاً هذا أقل ما يرغب اللبنانيون به وهو أن يحصلوا على جواب مقنع لمعرفة من قتل أبناءهم وأحبابهم. إن كان الضحية والداً أو أماً أو ابناً أو قريباً أو نسيباً أو صديقاً أو أي مواطن لبناني، أو أي مواطن خسر منزله أو مصنعه أو مركز عمله أو مطعمه…
الجميع يريدون الحقيقة وليس أي شيء آخر.
ليس مهماً إذا كان هذا المجرم صاحب مركز سياسي أو أمني، ليس عندنا أي موقف مسبق من أي محقق عدلي طالما أنّ هذا المحقق يبحث عن الحقيقة بتجرّد، وأن لا يستغل موقعه لينفذ أية رغبة لأي مسؤول سياسي كبيراً أم صغيراً.
وهنا لا بد لنا من أن نطلب من حضرة القاضي طارق البيطار أن يقرأ ما جاء في الصحافة الفرنسية حول الذي ارتكب هذه الجريمة وهي إسرائيل، وأنّ هناك صاروخاً ذا رأس نووي صغير، أطلق من طائرة اسرائيلية على المرفأ ما تسبب بكل هذا التدمير.
كذلك نلفت نظره أيضاً الى أنّ اسرائيل وعلى لسان (مردخاي) كانت قد أعلنت أنّ مرفأ بيروت أصبح تحت سيطرة الحرس الثوري الايراني، وأنّ المرفأ اصبح هدفاً لإسرائيل.
حقاً إنّ المرء يحتار في فهم تصرفات هذا الرجل، وكأنه اقفل الباب على كافة المفاهيم القانونية والدستورية. وكأن الأصول والاجرءات باتت ضرباً من ضروب الخيال.
هذا، ولأول مرة بتاريخ القضاء اللبناني يتصرف قاضٍ بتحقيقات في ثالث اكبر جريمة في التاريخ (انفجار المرفأ) وكأن اصول المحاكمات الجزائية قد فصلت على قياس المحقق العدلي القاضي طارق البيطار!
وكي لا نطيل نقول:
إنّ التحقيقات في جريمة المرفأ اخذت بعداً سياسياً، وإن الحقيقة ابتعدت إلى أماكن الهرطقات الدستورية، والفذلكات القانونية.
وبكلمة مختصرة ليس لدينا اعتراض على شخص المحقق العدلي، واعتراضنا على المنحى المتخذ في إجراءات التحقيقات.
وإليكم بعض المآخذ على ما يحصل:
١) لقد سلك المحقق العدلي منهجا براغماتيا، معتمدا الشخصنة في تحمل المسؤولية لمجرد ورود معلومة عن نيترات الامونيوم، فيكون المسؤول السياسي مسؤولاً اما عن طريق الاهمال والخطأ عما حصل، او ووفق المادة ١٨٩ من قانون العقوبات فإن القصد الاحتمالي عنوان لالباس المسؤول الجرم المقصود وإن تباعدت الحدود.
٢) لقد تناسى المحقق العدلي ان الجريمة لها بدايات ونهايات فلم يعمد الى اتباع المنهج الاصولي في تتبع مسيرة الباخرة المحملة بنيترات الامونيوم من بداية انطلاقتها الى مكان وصولها مرورا بكافة الأحداث والروايات.
وهذا المنهج لو اتخذه المحقق العدلي لعلم علم اليقين الدافع وراء إدخال المواد المتفجرة، بداية من اصحابها ونهاية الى المستفيدين منها توصلا الى معرفة كيفية تفجيرها.
٣) لقد أسقط المحقق العدلي كافة الفرضيات في اصول التحقيق بداية من التفجير الجوي او الصاروخي من قبل العدو الاسرائيلي وصولا الى فرضية التلحيم، وما بين الفرضيتين مكان واضح للبحث عن المستفيد وراء التفجير.
٤) لقد ضرب المحقق العدلي عرض الحائط المواد الدستورية التي ترعى اصول محاكمات الرؤساء والوزراء. وكذلك اسقط مفهوم الحصانات النيابية وكيفية ملاحقة المحامين والموظفين.
٥) لقد اخذت الاستنسابية حيزا كبيرا في فكر المحقق العدلي فأخذ ينتقي سياسيا من يريد أن يجعله عبرة لغيره خدمة لمصالح جهات سياسية معلومة.
٦) لقد تفرد المحقق العدلي في إجراءات الادعاء متناسيا دور النيابة العامة التمييزية بوصفها جهة الادعاء في الجريمة المحالة على المجلس العدلي، واصبح يضرب (خبط عشواء) بالادعاء على القضاة، وقد نتفاجأ لاحقا انه بصدد الادعاء على رئيس النيابات العامة!
غيض من فيض، والبارحة كانت إحدى القنوات التلفزيونية على موعد مع المحامي نزيه خوري وكيل الوزير والمحامي يوسف فنيانوس فعرض بالأدلة المحسوسة والملموسة تجاوزات المحقق العدلي الذي أدلى الى احدى الصحافيات على حد قول الاستاذ خوري ان لا حصانة لاحد وانه قد يصل الأمر به الى توقيف الرئيس بري والسيد حسن نصرالله اذا اقتضى الأمر.
هاجت وماجت على الرحيل خيولنا وصرنا أمام ما يقوم به القاضي البيطار قاب قوسين او ادنى من سقوط الهيكل على حراسه.
فليس هكذا تورد الإبل يا طارق.
فهل من يسمع نداء العدالة؟