حزينةٌ هي بيروت… وإذا كان «الحزن مثل الصابون»، يذوب مع الوقت، كما يقول المَثَل اللبناني السائر، فإن حزن بيروت ولبنان صفحة لن تُطوى ولا يجوز أن تطوى، ما بقيت الحقيقة ضائعةً، والأصحّ ما بقيت مضيّعةً قصداً وعمداً، بقرارات متخذة جهاراً نهاراً، مع فارق الأهداف. فالذين يريدون تغييب الحقيقة تبدو غاياتهم متناقضة الأبعاد والغايات، ولكنهم يلتقون عند نقطة مركزية وهي المماطلة، ثم المماطلة، ومن ثم المماطلة، علّ الزمن يخدم أهدافهم المشبوهة.
هذه الصفحة يجب ألّا تُطوى لأن دماء الشهداء، الذين تجاوز عددهم الـ230 بريئاً مظلوماً، تستصرخ عدالةً.
ويجب ألا تطوى، لأن مئات الآلاف الذين شُرّدوا وهُجّروا بسبب الدمار الهائل الذي ولّده انفجار العصر في المرفأ، لم ينالوا حقوقهم كاملة حتى الآن.
ويجب ألّا تُطوى لأن مجموعة من الناس زُجَّ بهم في غياهب السجون ظلماً وتجاوزاً لأبسط أحكام القوانين، وليس ثمة مَن يبالي بوضعهم.
ويجب ألا تطوى لأن مهزلة «الجرجرة» من قِبَل السياسيين المطلوبين أمام القضاء باتت من نوع ليس المضحك المبكي إنما المبكي والمبكي جداً، مع الأسف الشديد… وباختصار لأن الجرح عميق، والقهر كبير، والظلم هائل… ولأن الأرض تضم رفات أولئك الرجال الميامين، الذين لن ترتاح عظامهم في ثراها، إلا بإظهار الحقيقة كاملة، علنية، شفّافة، لا لبس فيها ولا غموض.
ويجب ألا تطوى، على الأقل، إكراماً لما تبقى من معالم ومقومات هذه الدولة العلية، التي لم تكتفِ بأن أوصلتنا إلى الإفلاس المادي، بل هبطت بنا إلى الإفلاس الشامل: في سُلًّم القِيَم ومدارج الأخلاق… ويجب ألا تُطوى، علّ وعسى يتناسى اللبنانيون الدرْك الذي هبط إليه القضاء المسيّس حتى العظم، والذي أساء إلى ذاته كما لم يُسِء إليه أهل السياسة.