إهمال السلطة يتمادى وطمس الحقيقة قائم مع تكرار جواب «ليـست مسؤوليـتي»!!
لا شك في انّ تاريخ 4 آب شكّل إنقلاباً مأساوياً وكارثياً في لبنان، جرف معه كل ما تبقى من آمال بإمكانية إنتشال هذا الوطن من الهاوية، حتى يكاد يلفظ انفاسه مع جريمة انسانية لم يشهدها العصر، الذي عايش مأساة شعب رافقته حقبات من الحروب، وصولاً الى الفاجعة الاكبر التي مضى عليها سنتان ولم يتغيّر شيء، وكأنّ شيئاً لم يحدث ويقلب اوضاع لبنان رأساً على عقب…
عامان والصمت المُبكي يخيّم على ارجاء مرفأ العاصمة الجريحة، فبات المكان نقطة مخيفة ومرعبة لكل اللبنانيين، وبصورة خاصة للقاطنين في محيطه، والمستمرين بلملمة جراحهم التي لا تنتسى، مع غياب احبائهم الذين سقطوا ضحايا تفجير رهيب، غابت عنه التحقيقات فغيّبت معها عدالة الارض، فيما كانت الوعود بمعرفة المسبّبين والمسؤولين عنه بغضون 5 ايام، إمتدت لسنتين ومَن يعرف؟، فقد تمتد الى أمد بعيد لن تكشف حقيقتها يوماً، اذ إعتدنا في لبنان على هذه الصورة، فلا عدالة ولا محاسبة، بل طمس للحقائق وغياب للمسؤوليات، لكن ماذا لو حدث ذلك الانفجار في اي بلد في العالم؟ بالتأكيد لكانت سقطت عروش وأنظمة…
فبعد مضيّ كل هذا الوقت على انفجار4 آب ، الذي قضى على آخر معالم وهيبة الدولة، والذي تصدّر قائمة الكوارث العالمية، نظراً لهول نتائجه وتداعياته، أسقط ضحايا وجرحى وقضى على نصف العاصمة، فمحى معه اي بادرة امل بهذا البلد، من دون ان ترّف جفون اهل السلطة، المستمرة في إطلاق اكاذيبها كالعادة لتبرير فسادها، وإنعدام مسؤولياتها إزاء اي مسألة او ملف او قضية، تحت شعار « لم نكن نعلم»، فيما المطلوب عدم الاستخفاف بعقول اللبنانيين، وعدم إطلاق البعض العنان لمخيلته السينمائية، لان ما جرى يطرح تساؤلات، واتهامات للسلطة بالإهمال وبإخفاء حقيقة ما جرى، مع تكرار الجواب الدائم « ليـست مسؤوليـتي».
الى ذلك عادت مشاهد الخوف لتسيطر من جديد قبل ايام قليلة، مع إنحناء الجانب الشمالي من اهراءات القمح الذي بات حاداَ جداً، ما ادى الى هبوط قسم كبير منه، وذلك نتيجة النيران المندلعة فيه منذ السابع من تموز الماضي، بفعل تخمّر الحبوب المتروكة، والتي أدّت الى إضعاف أساساته المتصدّعة منذ حدوث الانفجار.
في غضون ذلك توالت المواقف في هذا الاطار، ومنها إنتقاد البطريرك الماروني المطران بشارة الراعي، الحكومة اللبنانية لإخفاقها في محاسبة المسؤولين، ورأى خلال قداس أقيم لإحياء الذكرى الثانية، بأّنّ الحكومة ليس لها الحق في عرقلة التحقيقات المحلية والدولية، داعياً الى تحقيق دولي في هذه الجريمة .
وفي هذا السياق أيضاً، دعت منظمة الأمم المتحدة الى إجراء تحقيق دولي في الانفجار، الذي يعّد من أكبر الانفجارات في العالم، كما أعربت بعثة الاتحاد الأوروبي في بيروت والبعثات الديبلوماسية التابعة للدول الأعضاء في الاتحاد المذكور، الى التعاطف مع العائلات التي فقدت أحباءها في ذلك اليوم المأساوي، وكذلك مع جميع المتضررين، كما جدّدت تضامنها والتزامها بمواصلة دعمها للاستجابة لمواجهة تداعيات الانفجار، الى جانب الجهات الفاعلة في المجتمع المدني، التي أدّت دوراً حاسماً في هذه الجهود، وإعتبرت في بيان انه يحقّ للمتضررين بالمحاسبة، وأكدت على ضرورة متابعة التحقيق دون عوائق، وبعيداً عن التدخل السياسي، اي أن يكون التحقيق نزيهاً وموثوقاً وشفافاً ومستقلاً.
وفي الوقت الذي يظهر فيه الاهتمام الخارجي بهذه القضية الانسانية، نشهد إستخفافاً بها من قبل بعض افرقاء الداخل، فلماذا يستمر غياب الدولة والمعنييّن والتهاون وعدم تحمّل المسؤوليات؟، ولماذا اوقفت التحقيقات وكُفت يد القاضي المكلف بالتحقيق طارق البيطار عن متابعة مهمته ؟، ما يطرح هواجس ومخاوف من عدم تحقيق عدالة الارض، لكن بالتأكيد عدالة السماء آتية…