الحملة على وليم نون ورفاقه هي حملة على لجنة أهالي ضحايا انفجار المرفأ آخر حصون التذكير بالجريمة وبضرورة كشف الحقيقة وإحقاق العدالة والحق. منذ وقوع الجريمة وحتى اليوم، يستبسل أركان السلطة لمنع كشف المسؤوليات والمسؤولين: من جاء بالنيترات ولماذا، من وضّبها وخزّنها، من حماها وما كانت وجهة استعمالها، ولماذا لم يتحرك أي مسؤول طوال سنوات للكشف عن القنبلة الموقوتة، بمن في ذلك رئيس الجمهورية الذي عرف بها وتجاهلها ورئيس الحكومة الذي طُلب إليه إلغاء زيارته للمرفأ قبل ساعات من الكارثة، فامتثل مطيعاً؟! تلك هي القضية المطلوب التحقيق فيها وضمنها النتائج المروّعة للإنفجار، من تدمير مدينة وقتل أهلها وتشريد سكانها، إلى محاولة تضييع الحقوق والتعويضات، وكأنّ ما حدث مجرد حادثٍ عرضي لإنفجار قارورة غاز في مطبخ.
بدأت مسيرة «سلطة النيترات» في طمس الحقيقة ومنع التحقيق بخطوات متدرّجة وثابتة: جرى تهديد قاضي التحقيق الأول المكلف بالقضية فادي صوان فتنحى. خاض المتهمون في السلطة معركة ضد القاضي الجديد طارق بيطار، تارة بدعاوى الردّ وعدم الامتثال للتحقيق وطوراً بالتهديد المباشر بـ»القبع». أعقب قرار «القبع» مباشرة مسيرة الطيونة الشهيرة التي كادت تشعل حرباً أهلية تجعل انفجار المرفأ ذكرى عابرة. تمكّنت «سلطة النيترات» من تجميد التحقيق وشلّ يد المحقق ودخلت في تفصيل جديد قوامه تعيين قاضٍ رديف يقرر ما تريده في شأن الموقوفين أو المطلوب جلبهم إلى التحقيق، لكن بقايا القضاء غير المستسلم صدّت المحاولة من دون أن تتمكن من فرض سير العدالة كما ينبغي. لم يبق في ساحة الجريمة غير صوت أهالي الضحايا ولجنتهم. اللجنة نفسها تعرّضت لمحاولة إلغاء عندما جرى شقّها في سيناريو مبتذل لم يعمّر طويلاً، واستمر أهل الضحايا ومنهم وليم نون ورفاقه في رفع الصوت لمنع قضية الوطن من السقوط في عالم النسيان. استمر صوت الأهالي وحيداً في مقارعة مؤامرة «سلطة النيترات»، ولذلك كان ضرورياً إسكاته لوضع الملف بكامله في عهدة الجوارير، ولا تُفهم ملاحقة نون ورفاقه خارج هذا الإطار.
لكن المسألة لن تقف عند هذا الحدّ لو نجحت السلطة في إسكات أصحاب الحق وأهل الضحايا. الخطوة التالية ستكون أكثر بشاعة، حيث سيطير المحقق من مكتبه، وتُحرق ملفات المرفأ بنيران نيتراته.