Site icon IMLebanon

ما تجب معرفته عمّا خُفي من حقائق ملف انفجار 4 آب ( 5)

 

منذ الانفجار الرهيب الذي أصاب حرم مرفأ بيروت مساء يوم الاربعاء في 4 آب 2020 ونتج عنه الضرر الفادح بالارواح والاجساد والممتلكات، تعددت، منذ الحين وحتى اليوم، الاقاويل والاجتهادات التي تم ترويجها دون ان تكون مستندة بالضرورة الى وقائع ثابتة بل كثير منها هو من نسج الخيال، ولست في وارد تعدادها وتفنيدها أو الإدلاء بتكهنات من عندي تحلَّ محلها.

وإذا كانت بعض الوقائع التي تم ترويجها ثابتة فإن ذلك لا ينفع اما لأن لا علاقة لها بجوهر المسألة أو لانها من قبيل رؤية بعض الاشجار في الغابة دون رؤية الغابة بأكملها. وأحياناً يكون الامر معكوساً مثل عدم رؤية الفيل في الغرفة.

وان ما أحاوله في هذه الدراسة، المبنية في الغالب على مستندات غير منشورة، هو إلقاء ما تيسّر من الضوء على الغابة والفيل أو الأفيال. وقد يكون المخفي أعظم وقد يفاجيء الجميع.

«القسم الخامس: في الملاحقات»

« المادة 381

1 – يمكن ملاحقة المخالفات المنصوص عليها في القوانين والانظمة وإثباتها بجميع طرق الاثبات القانونية حتى ولو لم تضبط هذه المخالفات في النطاق الجمركي او خارجه او لم تكتشف عند التصريح عن البضائع بموجب بيانات جمركية. ولهذه الغاية يمكن اعتبار المعلومات التي ترد من سلطات اجنبية ومحاضر الضبط والمستندات الصادرة عنها بمثابة بينات علة وقوع الجرم.

2 – تتولى النيابات العامة امام المراجع الجزائية الدعوى العامة الرامية الى تطبيق العقوبات الجزائية عن الجرائم العادية المتلازمة مع المخالفات الجمركيــة او المرتبطة بها. وتتولى ادارة الجمارك الدعوى الرامية الى تطبيق الرسوم والغرامات»..

« المادة 382

على السلطة القضائية ان تزود إدارة الجمارك بأية معلومات تتصل بها في معرض نزاع مدني او تجاري او جزائي ولو اقترن بمنع المحاكمة، ومن شأنها ان تشكل قرينة على حصول مخالفة لقانون الجمارك ولأنظمتها»..

« المادة 391

1 – مع الاحتفاظ بصلاحية المحاكم الجزائية المختصة وفقاً لاحكام القوانين النافذة، يحال محضر الضبط المنظم وفقاً لاحكام المواد السابقة، إذا لم يفض الخلاف بطريقة المصالحة، الى محكمة الدرجة الاولى المختصة.

2 – تتبع امام كافة المحاكم العدلية الناظرة في القضايا الجمركية احكام اصول المحاكمات المدنية مع مراعاة الاحكام الخاصة المنصوص عليها في القانون»..

ad

« المادة 393

تدّعي ادارة الجمارك ويدّعى عليها امام سائر المحاكم ودوائر التنفيذ، بشخص المدير العام او من يمثله»..

20 – وبإنتفاء الافعال الجرمية المنسوبة الى المدعى عليهم بإدخال المواد الخطرة ووضعها في العنبر الجمركي رقم 12، فإن سائر ما جاء في ادعاء النائب العام لدى محكمة التمييز يؤلف تسليماً دون اي ادلة بأن الانفجار نتج عن اختلاط المواد المخزنة تلقائياً طوال عدد من السنين.

أنه حادث وقع قضاءً وقدراً «دون إتخاذ أي إجراء أو فعل يحول دون امتزاجها طوال السنين وصولاً إلى انفجارها».

21 – كما لا بد من التنويه بأن الادعاء لم يشمل اي فعل اعتداء على امن الدولة الداخلي او الخارجي مما يدخل في نطاق الجرائم التي عددتها المادة 547 عقوبات التي تنص على ما يلي:

« من قتل انساناً قصداً عوقب بالاشغال الشاقة من 15 الى 20 سنة»..

22 – وكل ما حاول المحققان العدليان صوان وبيطار نسبته الى الوزراء والنواب الحاليين منهم والسابقين بمن فيهم رئيس الوزراء السابق السيد حسان دياب لا يقع ضمن نطاق الافعال الجرمية التي ادعت بها النيابة العامة التمييزية والتي لا وصف جنائي فيها تبعاً لاحكام المادة 185 عقوبات لان تفريغ المواد الخطرة من السفينة وادخالها فوراً الى العنبر رقم 12 تمّ بأمر من قاضي الامور المستعجلة وعلى يد اشخاص سوى المدعى عليهم. وفي حال انها قابلة للملاحقة فإنها تعتبر من المخالفات الخاضعة لقانون الجمارك ولا ترقى بأي حال من الاحوال الى الاعتداء على امن الدولة الداخلي أو الخارجي.

23 – ولا بد ان مجلس النواب وفي الوقت الذي يشدد رئيسه على صلاحية المجلس الاعلى الحصرية في الجرائم المنسوبة الى الوزراء والنواب والتي جرى تأكيدها بقرار الهيئة العامة لمحكمة التمييز في قرار الوزير ورئيس الوزراء السابق فؤاد السنيورة، فإنه غير متعطش كثيراً لمتابعة اجراءات عريضة الاتهام التي تم توجيهها عملاً بقانون أصول المحاكمات المدنية امام المجلس الاعلى والتي لم تعقد الجلسة التي لم تعيينها فيها لعدم اكتمال النصاب.

24- ويتضح جلياً مما تقدم ان لكل من قصر عين التينة وقصر العدل موقفاً يتحّد ويختلف جذرياً عن الآخر في آن معاً ولكل منهما أسبابه واهدافه.

25- فإن موقف عين التينة هو الدفاع عن إستقلالية إختصاص المجلس الأعلى إختصاصاً وظيفياً في ملاحقة الأفعال الجرمية المنسوبة للنواب والوزراء، الحاليين منهم والسابقين، وتثبيت هذه الإستقلالية الوظيفية الحصرية بإعتراف صريح من قصر العدل، كما لو صدر قرار عن الهيئة العامة لمحكمة التمييز في هذا الشأن، ومن ثمّ كف يد المحقق العدلي المخالف لهذا الإختصاص الوظيفي فحسب أي السير في التحقيق دون استجواب النواب والوزراء السابقين ورئيس الحكومة السابق كمُسهمين في الجريمة.

ad

26- أما موقف قصر العدل حتى الآن فهو العمل على حصر إختصاص المجلس الأعلى الوظيفي في أضيق نطاق ممكن بحيث تطلق يدّ المحقق العدلي في ملاحقة وإستجواب من يشاء دون حساب.

27- لكن عين التينة وقصر العدل يتحدان ضمناً، ولأسباب مختلفة جذرياً، في نفي أي إحتمال لأن يكون ما حصل مساء يوم 4 آب 2020 هو فعل من أفعال الإعتداء العسكري الذي سارع الرئيس ترامب إلى تأكيده ثم سكت عنه. ذلك أن تأكيد الإعتداء العسكري يصب في مصلحة شركات التأمين ويعفيها من إلتزاماتها للمتضررين من حملة بوالصها. كما أنه محرج سياسياً للحكومة اللبنانية، وربما لحكومات أخرى كالحكومتين الأمريكية والإسرائيلية.

28- وزاد في الطين بلّة ان النائب العام لدى محكمة التمييز الذي أصدر ورقة الإدعاء حاول إتخاذ موقف وسط بين الموقفين وأعلن عن تنحيه عن الملف لعلاقة القرابة التي تربطه بالنائب زعيتر قبل وقت طويل من قيام المحقق العدلي البيطار بتقرير استجوابه كمُسهِم في الجريمة وذلك في شهر أيلول 2021. لكن النائب العام لم يقدم عرض تنحِ صحيح بموجب القانون ولم يقبل تنحيه أو تُرفع يده عن الملف. وهو دفع إلى الحلبة بأحد مساعديه المحامي العام غسان خوري الذي ما لبث ان اصطدم مع المحقق العدلي البيطار الذي رفض إطلاعه على الملف عندما مارس الخوري حقاً طبيعياً من حقوق النيابة العامة فانسحب أو سُحب من الحلبة وحلّ محله محام عام تمييزي آخر اصطدم بدوره بالبيطار عندما امتنع عن تعميم مذكرة التوقيف الغيابية التي أصدرها هذا الأخير ضد النائب علي حسن خليل لوضوح مخالفتها للقانون والدستور لكنه اضطر لتعميمها بعد حين. فيكون المحقق العدلي البيطار قد نجح بدعم من قصر العدل في حجب دور النيابة العامة التمييزية الإعتيادي والجوهري في الإجراءات.

29- وهذا هو الجوّ الذي دارت وتدور فيه ظاهراً، وراء الستار وأمامه، المعارك الطاحنة حول رفع يد المحقق العدلي البيطار لسبب او آخر عن الملف بين المطلوبة ملاحقتهم كمُسهمين في الجريمة والقاضي البيطار، وفي الحقيقة بين قصر العدل وقصر عين التينة!

30- لكن ما هو مصير زهاء ثلاثين موقوفاً في هذا الملف دون سبب مشروع؟ وبأي حق أو منطق يطول احتجازهم لمدة غير معروفة وتطول معاناتهم ومعاناة عيالهم؟ فإن الأولوية هي لإطلاق سراحهم جميعاً وفوراً.

31 – ذلك ان الخطوة الاولى في التحقيق وجمع الادلة في شأن ما حدث يوم 4 آب 2020 لم يتم اتخاذها بعد وهي اقامة الدليل على وجود فعل جرمي بإطلاق trigger ما بجهاز ما لفعل ما سواء بإستعمال مواد الامونيوم نيترات التي كانت مخزونة فعلاً في العنبر رقم 12 او مواد اخرى لم يُعرف كنهها بعد أو عدم وجود مثل هذا الفعل. وفي حال العجز عن إثبات حصول الفعلي الجرمي القصدي فلا بد من اعتبار ما جرى مساء 4 آب 2020 من نوع الحادث الذي لا يرقى الى الوصف الجرمي.

ad

32 – وإنه من الساطع ان ادعاء النائب العام لدى محكمة التمييز لم يتناول ابداً فعل التفجير لانه لم يعثر على ما يولد شبهة بحصوله بل اقتصر ادعاؤه على فعل الادخال بمخالفة القانون. فإذا كان المحقق العدلي يرغب في إجراء تحقيق حول فعل التفجير في حال ثبوت وجود أدلة في الملف على ان انفجار 4 آب هو بفعل فاعل ، ولم يُعثر على مثل هذا الدليل حتى اليوم، فإن من واجبه اعادة الملف دون تأخير الى النائب العام لدى محكمة التمييز للنظر في أمر الادعاء بالفعل المذكور وإلا إقفال الملف بعد منع المحاكمة عن كل الموقوفين وإطلاق سراحهم دون أي تأخير.

33- وان مسؤولية النواب والوزراء السابقين تبقى سياسية ويمكن أن تكون مدنية. وعلى من يرغب في محاسبتهم سياسياً ان يراجع مجلس النواب ومن يرغب في محاسبتهم وطلب التعويض منهم عن العطل والضرر ان يراجع المحاكم العدلية المدنية المختصة.

خامساً في تدابير الإصلاح

ان أول إصلاح مطلوب هو إلغاء المجلس العدلي فتناط مهامه بمحاكم الجنايات العادية. وبالنسبة لمرافق مرفأ بيروت، وفي حال ثبوت انها تؤلف بؤرة فساد، سواء سهلت هذه الحالة في تحقق كارثة 4 آب 2020 أو لم تسهل، فإن هذا الفساد هو جزء لا يتجزأ من حالة الفساد السائدة في البلاد والتي تستوجب القمع عامة. فإنه من الساطع ان مرافق المرفأ هي من نوع أقراص العسل. لكن، ومع الإعتراف بما تقدم، ولما لا يمكن إلغاء مرافق مرفأ بيروت وسائر الموانيء الجمركية في لبنان اسوة بالمجلس العدلي، فإن ذلك لا يغني عن إجراء بعض الإصلاحات الضرورية في إدارة هذه المرافق الحيوية وحمايتها ومن أهمها:

(1) إناطة إدارة واستثمار مرافق الموانيء اللبنانية كافة بمديرية عامة واحدة تابعة لوزارة المالية أو لوزارة الشغال والنقل، لا لكليهما.

(2) إنشاء جهاز أمني خاص لحماية المرافق المذكورة وحفظ الأمن داخلها على قدم المساواة مع الأجهزة الأمنية الأخرى وتندمج فيه الضابطة الجمركية ويكون تابعاً للمديرية العامة المذكورة.

(3) إنشاء مركز قضائي مختص ودائم في حرم المرفأ يتولاه قاض واحد أو أكثر للبت حسب الأصول المستعجلة بكل نزاع أو حالة في مرافق المرفأ كافة تستوجب تدخل القضاء مع الحرص على احترام وتطبيق القانون الجمركي بحيث لا تتكرر أبداً سابقة مخالفة هذا القانون بإعطاء أي من القضاة الأـمر بإدخال أية بضاعة خطرة إليه أو غير خطرة دون أن تكون مستوردة إلى البلاد بصورة شرعية وبإستيفاء الشروط الجمركية. كما وينشأ مركز قضائي مماثل في مطار بيروت وكل من مرافيء طرابلس وصيدا وصور وجونيه.

الحلقة الأخيرة