Site icon IMLebanon

بين القضاء العدلي ومجلس محاكمة الرؤساء من يبتّ بتنازع الصلاحيات؟

 

صحيح انّ ارتفاع سعر الدولار واعتذار الرئيس سعد الحريري كانا الحدث الاسبوع الفائت وأبعدا الضوء لأيام عن مجريات التحقيق في قضية انفجار المرفأ، الّا انّ هذا الملف مع ما يرافقه من تحدّيات وتوقيفات وحصانات، سيكون الحدث الاسبوع المقبل، مع اقتراب الذكرى السنوية لتفجير 4 آب. وفي ظلّ الاجواء الرمادية المتباينة حول أحقية الجهة المختصة بالملاحقة، رأت مصادر نيابية، انّ محاكمة النواب الثلاثة هي من اختصاص المجلس الاعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، علماً انّ هذا المجلس لم يسجّل اي محاكمة او محاسبة لرئيس او وزير حتى اليوم…هذا بالإضافة الى شح المعلومات عن حقيقة اكتمال هذا المجلس المؤلف من 7 نواب و8 قضاة.

 

إلّا أنّ النقطة الاساسية والأهم، بحسب مصادر قضائية مطلعة على مجريات ملف تحقيقات انفجار المرفأ، هي انّ المشكلة ليست في تشكيل هذا المجلس او بإكتماله، لأنّه مشكّل وهو قادر على العمل «لكن البعض يريد لسبب او لآخر تضييع الناس بعمل هذا المجلس لإبعاد النظر عن العقدة الحقيقية».

 

وتكشف تلك المصادر، انّ المشكلة تكمن اليوم في ما يُسمّى»التنازع في الصلاحيات»، بمعنى أنّ الموضوعين المطروحين هما موضوعان مستقلان عن بعضهما، لأنّ الاول يتناول رفع الإذن او الحصانة، أما الثاني فيتناول «الصلاحية». بمعنى أنّ القضية المطروحة اليوم هي من صلاحية القضاء العدلي، أي المحقق العدلي اولاً وبعدها المجلس العدلي، أم هي من صلاحية المجلس الاعلى لمحاكمة الرؤساء؟

 

اما السؤال المرتبط مباشرة بهذه الجدلية فهو: «ما علاقة رفع الحصانة بذلك»؟

 

وتكشف المصادر القضائية نفسها من أنّ المعنيين «يقوطبون» على مسألة رفع الحصانة من خلال التوجّه الى مسألة اختصاص المجلس الاعلى. وتؤكّد أنّ «المعنيين» بذلك يرتكبون خطأ كبيراً، لأنّ إعطاء الإذن برفع الحصانة عن النواب شيء والصلاحية شيء آخر، وهما غير مرتبطين ببعضهما، أي أنّ المسألة بكاملها مع ما يرافقها من حروب كلامية بين المتنازعين، لا تُخاض وفق القوانين بل وفق أمور اخرى لا علاقة لها بالقانون. وبالتالي نحن اليوم امام موضوعين مختلفين:

 

1 – موضوع رفع الحصانة.

 

2 – موضوع الصلاحية.

 

– فما هو تعريف رفع الحصانة للنواب تحديداً وليس الوزراء؟ ولماذا أُعطيت الحصانة لهم؟

 

توضح المصادر القضائية نفسها، أنّ حصانة النواب هي لحمايتهم اثناء ممارستهم لدورهم كنواب، بمعنى انّه لا يحق للسلطة التنفيذية تعطيل عمل النواب من خلال الادّعاء عليهم بحجة انّ هؤلاء يتهجّمون على الحكومة، يراقبونها أو يأخذون مواقف ضدّها، وبالتالي ترتبط الحصانة تحديداً بممارسة دور النائب، وليس لها علاقة مطلقاً بحصانة معطاة للنواب عندما ينتقدون الوزراء.

 

إلّا أنّ الحاصل اليوم هو عكس تماماً، لأنّ «الحابل اليوم اختلط بالنابل». فالتعبير الصحيح لمعنى حصانة النائب يهدف الى تحصين العمل البرلماني للنواب حيال أي تعسف يهدف الى عرقلته أو تعطيله. وبالتالي، ترى المصادر القضائية القريبة من القاضي بيطار، «إنّ الاصرار على التدقيق في حذافير الملف الذي تطلبه هيئة مكتب المجلس النيابي من القاضي بيطار، وخصوصاً في غياب اي معلومات لاستهداف اي من الادوار النيابية للنواب الثلاثة، يشكّل تحويراً لمفهوم الحصانة المكرّس في المادة 40 من الدستور، أي انّ الحصانة معطاة لشيء، إلّا أنّ النواب يحوّرونها لأمر آخر لا علاقة له بالسبب الذي أُعطيت على اساسه تلك الحصانة».

 

ولفتت المصادر نفسها، الى انّه عند ارسال بيطار خلاصة ملفه الى رئاسة مجلس النواب طالباً على إثره الملاحقة ورفع الحصانة عن النواب الثلاثة، كان ذلك بعد إبرازه مستندات تُظهر تواقيع النواب عليها. أي انّ بيطار ارتكز على هذه التواقيع وبنى عليها شبهته، لأنّ هؤلاء النواب وقّعوا بأنفسهم تلك المستندات التي تؤكّد علمهم بوجود النيترات ولم يتخذوا في المقابل اي اجراءات او تدابير.

 

وحسب معلومات «الجمهورية»، انّ النقاش في هذا الملف استغرق ثلاث ساعات عند اجتماع هيئة مكتب المجلس مع لجنة الادارة والعدل.

 

وفي المعلومات ايضاً، انّ النائب جورج عدوان شرح بإسهاب للحاضرين كيف انّ القاضي بيطار لن يرسل الى الهيئة مزيداً من المستندات او اي تفاصيل خاصة بالتحقيق، بحسب رأيه، لأنّ المحقق العدلي كان واضحاً أساساً في المستندات التي أرسلها قبلاً، اي منذ أوضح بيطار من خلال تلك المراسلات كيف ارتكز على شبهته بالنواب، فطلب ملاحقتهم ورفع الحصانة عنهم، وذلك بعد الارتكاز الى تواقيعهم وعلمهم بوجود النيترات. الّا انّ الحاضرين في الجلسة أصرّوا على الطلب بأنّهم يريدون مزيداً من المستندات، لكنه رفض طلبهم معلّلًا رفضه بالأصول القانونية، وفي المقابل ارسل الملف كاملاً الى النيابة العامة التمييزية بناءً على طلبها أيضاً.

 

وبالتالي، وبالعودة الى اذن رفع الحصانة، يتضح انّه مختلف كلياً عن الموضوع المطروح.

 

– ما هي الصلاحية؟

 

عندما ادّعى القاضي بيطار على النواب، اعتبر انّ لديه صلاحية الادّعاء لأنّه ادّعى بموجب مواد في قانون العقوبات، اعتبر من خلالها انّ النواب ارتكبوا جرماً يحاكم عليه القضاء العدلي، وهم ليسوا مرتكبين عملاً يُحاكمون عليه بصفتهم وزراء. وبالتالي، وحسب معلومات «الجمهورية»، وانطلاقاً من مبدأ استقلالية السلطات، اي السلطتين التشريعية والقضائية، لن تستطيع السلطة التشريعية رفع يد القاضي بيطار، وسيمضي قدماً في الادّعاء الخاص به. وحتى لو توجّه النواب الى المجلس الاعلى لمحاكمة الرؤساء، فإنّ بيطار سيستمر في عمله، كونه ادّعى وفق مواد من اختصاص وصلاحية القضاء العدلي، وبالتالي هو سبقهم ايضاً في الادّعاء وهم الحقوه بالاتهام، اي اصبح هناك اليوم اتهامان: سيُصدر بيطار قراراً ظنياً. وسيصدر المجلس الاعلى لمحاكمة الرؤساء قراراً اتهامياً.

 

بحسب المصادر القضائية، فإنّ لجوء «المعنيين» الى هذا النهج مقصود، وذلك لخلق ما يُسمّى بـ«تنازع في الصلاحيات»، ليُطرح السؤال الكبير والأهم: من يبتّ بتنازع الصلاحيات؟!

 

هي من صلاحية الهيئة العامة لمحكمة التمييز، في رأي البعض، اي رؤساء الغرف الذين يشكّلون الهيئة العامة لمحكمة التمييز. الاّ انّ مصادر قضائية مطلعة كشفت لـ«الجمهورية»، أنّ مسار الاتهام الذي بدأت فيه بعض الاحزاب المشاركة في السلطة، لن يوقف مسار المحقق العدلي، ولا يمكن ان يوقفه، علماً انّ رفع الحصانة لا يدين ولا يبرّئ، فكل ما يطلبه بيطار من هؤلاء، وهو الذي يُعرف عنه انّه يحكم بالفاصلة والنقطة والمسطرة: «تفضّلوا وقابلوني للدفاع عن انفسكم». واذا ثبت انّ عليهم اي شبهة، فعندئذ يتمّ توقيفهم، أما منعهم من الذهاب لمقابلة بيطار فذلك يُعتبر هرطقة دستورية قانونية عدلية، أمام 200 قتيل و5 آلاف جريح وعاصمة مدمّرة.